كتاب جديد مثير للاهتمام، صدر قبل اقل من شهر عن منشورات ماكميلان، أصدره شونغ مين لي أحد كبار الباحثين الكوريين الجنوبيين المتخصصين في الأمن الكوري، وهو كبير الباحثين بمؤسسة كارينجي للسلم الدولي و رئيس المجلس الاستشاري الدولي للمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية ، واحد الخبراء في قضايا الأمن بشرق آسيا ،واشتغل بعدة مؤسسات و جامعات بكل من اليابان و سانغافورة وكوريا و الولايات المتحدة. كما عمل سفيرا لبلده بعدة بلدان كخبير متخصص في العلاقات الدولية .
الغاية من هذا الكتاب حول كوريا الشمالية ، الذي يعتبر أخر بلد توتاليتاري في العالم،و الذي عنونه بالملك الناسك او الراهب او المنعزل، هو توجيه رسالةللرأي العام الأمريكي، مفادها ان تاريخ كوريا الشمالية ليست هي فقط الأسلحة النووية و الصواريخ البالستية..
يحاول الباحث عرض تجربته و خبرته التي تمتد على طول 34 سنة ، عمل فيها كسفير للشؤون الأمنية ومستشار امني لاثنين من رؤساء كوريا الجنوبية، في مختلف مراكز البحث العالمية، و هي النظر الى كوريا الشمالية من عدة زوايا : أمريكية و أسيويةوأوروبيةأساسا، إن المعضلة التي يتحدث عنها المؤلف هي ان الزعيم الشاب الحالي يريد إصلاح كوريا، و لكنه إذا حاول إصلاح النظام الذي أنتجه و أوصله إلى مكانته الحالية ،فانه سيقضى عليه.
لإنقاذ كوريا الشمالية لابد من إدخال إصلاحات اقتصادية و سياسية واسعة،و لكنه في حالة إدخال هذه الاصطلاحات يقول المؤلف، فان عائلة كيم الحاكمة ستنهار لا محالة.
إن قضية كوريا بزغت في نهاية الثمانينيات،و تبين بان كوريا الشمالية هدف صعب،فرغم الرقابة الشديدة فالمعلومات تتسرب.فأدوات لعبته محدودة،
ان المراقبين يعتقدون بان كيم سيسلك نفس طريق الصين في مجال الإصلاحات الاقتصادية.و البعض الأخر يقول بأنه سيفتح باب الإصلاحاتعلى طريقة غورباتشوف (ابتداء من 1985).أو ربما على منوال الفيتنام..
يصف النظام القائم بالتناقضات و الفساد المستشري و تآكل المؤسسات و سيادة الخوف و القمع،بينما تعيش قلة قليلة حياة الترف و الباقي يتدبرون حياتهم بصعوبة.
جميع المراقبين يعتبرون بان الزعيم الشاب يختلف عن أبيه و جده،و ذلك لكونه قضى فترة مهمة من حياته في سويسرا،و متحضر،و متناسق وواثق من نفسه،و له إلمام بالعالم الخارجي،و عاشق لكرة السلة..
ويسرد الكاتب الصراع الرهيب الذي قاده إلى منصب بحيث أصبح الوارث الوحيد لأبيه، و الذي حال دون وصول أخيه الصغير إلى السلطة.
كما يتحدث عن أثار المجاعة في أواسط التسعينات، حيث انهار الاقتصاد الكوري الشمالي ذهب ضحيتها مليون ونصف شخص، و قد لوحظ بعد ذلك وجود أسواق حرة بسيطة و الناس يستعملون الهاتف النقال، و سيارات الأجرة تجول في الشوارع و مطاعم الوجبات السريعة..لأنه تبين بان البدائل منعدمة،
و هناك إشارةإلىخطاب الزعيم الكوري بمناسبة راس السنة 2019، حيث تحدث عن إصلاحالاقتصاد ،و إذا نجحت الصين فلماذا لا ننجح نحن؟ وهنا مناقشة مهمة لتجارب الأنظمة السياسية والاقتصادية الأسيوية،حيث تم ذكر الفيتنام.
هناك تحليل مهم يقارن كوريا ش بالفيتنام و هو Huong Le Thu للباحث هوانغ لو تو.
المهمة المستحيلة الذي يطمح الزعيم الشاب لتحقيقها و هي تحديث كوريا الشمالية، بدون المساس بالأسرةالحاكمة، و جلب تدفق الرساميل و الاستثمارات من الجارة الجنوبية بدون اللجوء الى إصلاحات اقتصادية جذرية، و السير على منوال الصين دون ان يرتبط بها،و ربط جارتها بها و إبعادها عن الصين، و تطبيع علاقاتها مع الولايات المتحدة دون نزع أسلحة الدمار الشامل ؟
يقول المؤلف بان اي سلام بالمنطقة مرتبط بضرورة تفكيك الاسرة الحاكمة بكوريا الشمالية،فمادامت موجودة فلن يجرا كيم جونغ على القيام بها،لأنه كما قال في البداية نهايته بنهايتها,
يتكون الكتاب من 7فصول اضافة الى المقدمة و الخاتمة.خصص الفصل الأول للعيش في الجنة الارضية و الفصل الثاني هل يستطيع كيم جونغ الوقوف و الفصل الثالث الزعيم الأعلى يلج إلى العالم و الفصل الرابع ملك جديد يبرز و الفصل الخامس اسرة كيم و نخب سلطة الدولة و الفصل السادس آلة الحرب و الأسلحة النووية و في الفصل الأخير القوى الكبرى الإقليمية و شبه الجزيرة الكورية، و في الخاتمة يتحدث عن ثلاث مسارات او ثلاث مسالك او ابواب كبرى:المسلك الاول وهو تحت عنوان ان الزعيم في القمة و لكن لماذاهو ليس كذلك..و المسلك الثاني كل القوى خارج السيطرة و هو هنا يتعرض لاشكالية توحيد الجزيرة و اختلاف التصورات و الرؤى حولها.فلا احد يعرف راي الكوريين في الموضوع.فالوحدة السلمية هي الكأس المقدسة للكوريتين،كما انها الطريق الشائك في نفس الوقت، و المسلك الثالث و هو بداية تشققات صغيرة في الجدار،فلا شيء ابدي، إذن هذا هو مصير اسرة كيم جونغ،و يعدد هذه التشققات في بنية النظام السياسي الكوري الشمالي في سبع:انتشار التجارة البسيطة،تصاعد الرحلات الحدودية بين الصين وكوريا ش ،و انتشار الفساد و تسرب معلومات بقدر اكبر و تآكل الايديولوجية...و رغم قوة النظام و سيطرته فان التغيير قادم فالثورات تبدا دائما بتشققات صغيرة ستكبر مع الوقت لتطيح بنظام اسرة كيم.و يختم الكاتب كتابه بان البطل الوحيد الذي وقف في وجه الدبابات في ساحة تيانانم بالصين في يونيو 89 ، سيظهر مثله قريبا في كوريا الشمالية.
و ستكون لنا عودة لمناقشة احد المحاور المهمة في الكتاب و المتعلقة بالنموذج الاقتصادي التي سوف تسير فيه كوريا الشمالية ، النموذج الصيني او الفيتنامي او الجنوبي..او خليط تركيبي من كل هذه النماذج..