(نتنياهو) .. والحرب الشاملة 

الوضع الداخل الإسرائيلي يشهد صراعات طويلة ومتعددة بين المعارضة الاسرائيلية التي شنت هجمات متتالية على نتنياهو، وبين الافراد الذين ضاعت وتوقفت مصالهم بسبب الحرب والهجرة، وان الاتهام الابرز الذي وجهه اغلب المعارضين والمتقاطعين مع سياسة نتنياهو التي هي (سياسة حافة الهاوية) ان الرجل وفريقه يحاول الحفاظ على مكانته السياسية والقبض على السلطة، والتي بدورها اثرت بشكل كبير على وضعه الداخلي السياسي والاستراتيجي وقد وصفوه مؤخراً بانه يبيع الجنود والجيش من اجل مصالحه السياسية، وما أكد ذلك في اكثر من مناسبة هو زعيم المعارضة الاسرائيلية (يائير لبيد) بقوله: ( 300 يوم منذ الكارثة والمختطفون تحت الأرض وكل ما تقترحه علينا حكومة نتنياهو هو حرب تلو الأخرى، ونحن نتعهد بأسقاط حكومته)، وأن عملية اغتيال (اسماعيل هنية) لا يعتبروه منجز بحجم ما هو مأزق اخر يضعهم فيه، ويوم بعد يوم تؤكد مجريات الحرب على ان (نتنياهو) في طريق السقوط وتراجع شعبيته حتى داخل حزبه ومؤيديه، وهذا اظهرته مواقع استطلاع الرأي في إسرائيل في استطلاعات مختلفة، والان يعمل بكل قوته وكابيتنه الوزارية الى دفع الازمة الى الخارج وتحويلها الى حرب شاملة بدون نهاية، ويعمل على صناعة الانتصارات الاعلامية الانية لكسب الجبهة الداخلية والتغطية على فشله الحكومي و السياسي.

وأكثر ما يثير مخاوف نتنياهو بعد مجريات الحرب الدائرة، وهو الصراع الداخلي وتحول التظاهرات الى اعمال شغب، فالتظاهرات التي تقطع الشوارع والساحات العامة وامام المؤسسات الحكومية الرئيسة ومقر اقامته، ومؤخراً اقتحام المستوطنين اليمينيين لقواعد الجيش والمباني الحكومية فضلاً عن الاحتجاجات؛ ولذلك استغلال الفرصة السانحة للتخلص من الضغط الداخلي  ويساهم في صنع هالة اعلامية تغطي على الحرب النفسية واخبار الخسائر البشرية ومطالب عوائل الاسرى فاقدم على اغتيال القائدين ( اسماعيل هنية و فؤاد شكر ) والتي ممكن تكون مناسبة لجر المنطقة برمتها الى حرب شاملة.

في اغلب المناسبات يظهر نتنياهو كالثور الهائج الذي يريد الحرب إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة، بل هو يحاول الى ابعد من ذلك وهو (يسحب) الامريكيين للحرب الى جانبه بشكل واضح، لأنها آخر حرب يعتقد بأنه سيكون بها بهذه القوة، فضلا عن الحاجة لاستعادة الردع بمقامرة مجنونة كالتي قام بها مؤخراً في بيروت وطهران.

الحرب الشاملة:

حدوث الحرب الشاملة بدورها ستؤدي الى مخاطر على الداخل الاسرائيلي بالدرجة الاولى لان  الجيش الاسرائيلي منهك بعد اشهر ايام الحرب الطويلة والغير متوقعه ومعدات ومعترضات مستنزفة،  فهم يريدون جر امريكا للحرب  بالإنابة عنهم ولكن الاخيرة لا تريد اي حرب  في الشرق الاوسط بالوقت الحالي و لأسباب كثيرة.

اهمها :- ‏

‏المستقبل :- فهو غير مضمون  في ظل تنامي قوة محور المقاومة وتذبذب  مستقبل امريكا السياسي والاقتصادي بسبب مزيج من العوامل الداخلية والخارجية واحتمال انشغالها في ميادين أخرى بين الاقتصاد وتقاسم النفوذ و الصراع من أجل الحفاظ على الهيمنة الاحادية لها، فهم يريدون الاستفادة من الشرق الأوسط طالما يمكن لهم ذلك ويعدوه خزينهم الاستراتيجي ولا يريدون خسارته لصالح الصين او روسيا التي وصلت بسياسة القضم لمراحل متطورة فيه فضلا عن ان الدولة العميقة العالمية المسيطرة حالياً لا تريد ان تذهب مصالحها ومكتسباتها لدول اخرى او تتقاسمها معهم وترفض حتى الفكرة ببدء نظام عالمي جديد.

‏ من الواضح بأن الأزمة التي تعصف ببايدن بعد سحب ترشحه أضعفته كثيراً، وكامالا هاريس لا تكترث طالما المصيبة تقع على بايدن، فعلى الأرجح نتنياهو حصل على وعود من الصهاينة بالدعم، من البيروقراطيين والسياسيين، لذلك قام بهذا التصعيد الكبير الذي يهدد المنطقة برمتها. وعلى الرغم من ذلك، يصعب  فهم ردة الفعل اتجاه عمليتي الاغتيال، يعني الاحتمال الوحيد الذي كان يمكن أن تنجح فيه هي في حال تراجع المحور، وكل المؤشرات هنا تشير إلى أنه لن يتراجع، وأن الانتظار والمراكمة منطقيا هما الخيار الأكثر حكمة، فالمقاومة  بالوقت الحالي اقوى من المقاومة في السابق و من جوانب مختلفة؛ (الدبلوماسية - الحلفاء - التأييد الدولي للمظلومية والدفاع -  القوة العسكرية -السيطرة الجغرافية ) والدليل على ذلك هو الضغط الدولي من خلال الاتصالات الهاتفية التي تسعى للتهدئة فضلاً عن الزيارات السرية والمعلنة، واخرها  الزيارة العاجلة لوزيري الخارجية والدفاع البريطاني الى لبنان.

كما ان هناك متغير جديد يخص دول التطبيع التي تحولت من موقف  الاستنكار الى  موقف الإدانة، بالإضافة الى الدول العربية يعني  تقريباً ان  ثلث دول العالم ادانت  افعال (اسرائيل) في الامم المتحدة ومحكمة العدل الدولية مما يعني انها تعمل على جناحين (دبلوماسياً و عسكرياً)  وهذا ما يغلب كفة المقاومة  في الوقت الحالي وحتى  في حال حدثت حرب كبرى فلن تلقى اسرائيل ذالك التأييد الذي تروم له من قبل دول العالم. (إسرائيل) حالياً في اضعف حالاتها فهي تعاني من مشكلة القتال مع عدة جبهات فضلا عن انها في حرب مستمرة جعلتها  في حالة استنزاف يومي وتتعرض الى بشكل يومي الى ضربات بعيدة المدى، وهذا ما يجعلها في حيرة وقلق مستمرين.

‏يبقى الاحتمالان هي أنه إما الاغتيالات ستؤدي للردع، أو التسبب بحرب تخوضها أمريكا عنهم بعد تنازل المحور عن سياسة الصبر والمراكمة، حيث أن أمريكا نفسها لا تريد الحرب، فالحرب  مكلفة، ولكن بالتأكيد لا يمكن لأمريكا أن تتخلى عن "إسرائيل" بأي شكل، ولكنها كانت تفضل أن تقف الحرب ويتم عزل المحور ورشوة أهل غزة بالبناء والاعمار والعمل ليتركوا حماس ويركنوا الى ادارة خارجية او ادارة شبيهة بإدارة الضفة الغربية.

 

 

ومع وصول وتواجد مجموعة الاساطيل العسكرية الأمريكية لشرق المتوسط، ولواء المارينز الذي لا تأثير لها غير المساهمة في السيطرة الدفاعية المحدودة والمعلومات عن وصول حاملة الطائرات روزفلت الى الخليج والتي ستكون عرضة ايضاً  للصواريخ  كحال أيزنهاور، في حال التصعيد. والتأكيد الامريكي لعدم رغبتها بالحرب هو عدم انشاء جسر جوي او ارسال أسراب الطائرات الحربية، ولا نقل للقوات العسكرية. و هذا ما يجعل الموضوع أكثر غرابةً، يعني (إسرائيل) قامت بخطوة حرب اقليمية، وامريكا غير مستعدة ولا تريد ان تستعد لحرب تضعف موقفها امام حلفائها واعدائها. (‏و هذا ما يعزز فرضية بأن الإسرائيليين يحاولون جر الامريكان لحرب غير مخطط لها وبدون استعدادات) - ‏وفي ظل عدم وجود رغبة او قدرة للجم (إسرائيل) بسبب الحاجة للمال الصهيوني للانتخابات، فضلاً عن  امتلاك نتنياهو  الكارت الاكبر لعبور المرشح الرئاسي القادم. وبغض النظر عما ينصح بايدن الاسرائيليين به بوقف الحرب والهدنة. فالمتوقع الآن هو رد من المحور غير معروف طبيعته والجميع شاخصة ابصاره نحو السماء بانتظار الرد القادم. وبالرغم من التوسط والتنازلات والاتصالات من اجل ان يكون ( الرد والتصعيد ممسوك) ومسيطر عليه ومن جهة واحدة الا الان الامور ذاهبة نحو المجهول. وممكن ان تذهب الامور نحو سلسلة طويلة من الردود فأي ضربة تتسم بالردع ستدفع الاسرائيليين للرد، ليس لأنهم شجعان او مجانين، بل لأنهم مضطرون، فالتراجع يعني تفكك (إسرائيل) وتعزيز الصراع الداخلي فيها المتأجج أصلاً. فالأمور لا يمكن إلا أن تسير للأمام هنا، والمعضلة هنا أمام المحور هي أن الدفع بحرب هو الخيار الأقل ربحية على مسار تحرير فلسطين، وضربة محدودة قد تعني خسارة عنصر الصدمة في حال قرر الإسرائيلي ضرب الجميع، فيما يظهر بأن ضربة قاسية ستملك احتمالا اكبر بردع الاسرائيلي عن الرد، ‏يعني إذا ضربت "إسرائيل" بواحد ستضربك بعشرة، ولكن إذا ضربتها بعشرة لن تستطيع أن تضرب المحور بعشرين بدون أمريكا،  وبدخول  امريكا  لحرب واضحة معناها دخول العالم اجمع للحرب وستكون حرباً عالمية ثالثة تحدد ملامح النظام العالمي الجديد .

‏في الواقع المحور يمكن أن يتحمل ضربات كثيرة في سبيل المراكمة الاستراتيجية ولكن "اسرائيل" لا يمكن أن تبلع ضربة واحدة لو لم تشل،  فان اخذهم للقرار عبر الصدمة والترويع  كما حدث في مناورة ايران الاعلامية فالعالم كله دخل في توتر بالغ والاسرائيليين اعلنوا حالة طوارئ بل دخل الجميع الى الملاجئ وفي حال تمت الضربة المحدودة التي لا تمس بعناصر القوة كسلاح الجو، قد ترتد برد إسرائيلي عنيف، فتدخل لنقطة الحرب التي حاولت تجنبها برد محدود ويضيع منك تأثير الصدمة والترويع وعنصر البدء.

العالم كله على كفّيّ عفريت وليس الشرق الأوسط فقط، صراعات وحروب بالوكالة وهناك تهديدات في استخدام الأسلحة النووية وكل هذا من شأنه ان يحدد خارطة النظام العالمي الجديد وممكن ان نذهب الى تعدد الأقطاب.

رامي الشمري