من غرائب السياسة التي ابتلانا الله بها في هذه البلاد، نجد أن حكومتنا تعيش في ظل أغلبية متعددة الرؤوس ومختلفة الأرجل، حتى تحولت إلى مخلوق سياسي مشوه، تعكس اللقطات التالية شكله المرعب:
اللقطة الأولى:
عند قيام اللجنة الاستطلاعية للمحروقات بطرح تقريرها للمناقشة العامة بمجلس النواب، انفرط عقد الأغلبية، وأصبحنا أمام حزب من هذه الأغلبية يدافع عن شركة من شركات المحروقات، وحزب آخر يناهضها، فالحزب الأول أصبح الناطق الرسمي باسم محطة للبنزين، والحزب الثاني بوزراءه أصبح معارضا لمالك تلك المحطة، ويتحدثون عن انسجام الأغلبية، يبدو أن مجال السياسة لدى الأغلبية خرج من مكاتب رئاسة الحكومة والبرلمان، ليختلي بنفسه في محطة بيع البنزين، إنها الأغلبية المختلفة عن البنزين ومن معه، والمتفقة عن الكراسي وما حولها.
اللقطة الثانية:
حينما صوت المغاربة على دستور 2011، أصبحت مراقبة البرلمان للحكومة من ضمن الأسس الرئيسية لهذا الدستور، غير أننا في واقع الممارسة وجدنا حكومة تحتقر البرلمان، وهي سابقة في تاريخ المغرب حيث لم يسبق لحكومة وأغلبيتها أن أهانت البرلمان بهذا الشكل. فحين كان نواب الأمة يناقشون الأمن الطاقي للمغرب حضر عن الحكومة وزيرين فقط وغاب رئيس الحكومة، وكأن الأمر لا يهمه. وفي الجلسة الشهرية كنا نناقش رئيس الحكومة ولم يحضر برفق هذا الأخير سوى وزيرين فقط، أما باقي أعضاء الحكومة فلا يهمهم رئيسهم ولا يعنيهم ماذا سيقول، يبدو أن لا أحد يريد أن يعترف بأحد.
اللقطة الثالثة:
بعد أن وجد وزير التشغيل نفسه في مأزق سياسي، بسبب الوضعية المزرية وفضائح التحرش التي يتعرض لها المغربيات العاملات في ضيعات التوت بإسبانيا، دعا هذا الوزير البرلمان إلى تشكيل لجنة استطلاعية حول وضعيتهن، مثيرا بذلك استغراب البرلمانيين، وكأنه لا يعلم أن الموضوع يخرج من مجال البرلمان سياسيا جغرافيا، لكون محل إقامة المغربيات موضوع الاستطلاع توجد فوق التراب الإسباني، وأن الموضوع يخضع فقط إلى مجال الدبلوماسية والتعاون بين دولتين، إذ كيف يمكن لنواب الأمة المغربية استطلاع وضعية نساء مغربيات يوجدن خارج السيادة المغربية، أي فوق التراب الاسباني؟ إلا إذا كانت هذه اللجنة ستستمع للسيد الوزير فقط ويكون هذا الاستماع هو الموضوع الفريد لتقريرها، يبدو أن الوزير لا يدرك أن هناك حدود جغرافية وقانونية، وأن هناك مفهوما للسيادة.
اللقطة الرابعة:
بعض الوزراء الذين كانو موضوع مقاطعة شعبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قاموا هم بدورهم بمقاطعة البرلمان والحضور لجلساته الدستورية، وأهملوا الإجابة على الأسئلة الشفوية لنواب الأمة، يبدو أن الموضوع يهم غياب الشجاعة السياسية، فأصبحت المقاطعة المتبادلة جزء من السياسة ببلادنا، هل صنعها الفراغ أم التردي السياسي أم العجز عن المواجهة؟ لا أعلم.
كل ما أعرفه هو أن السياسة أصبحت هائمة على وجهها، ضائعة في معالم وسائل الاتصال الاجتماعي، أما داخل الحكومة وأحزابها فيتضح أنها انقرضت منها.
اللقطة الخامسة:
يتأكد يوما بعد يوم أن لا أحد يعلم ماذا يجري بيننا وبين الاتحاد الأوربي هذه الأيام، مفاوضات وبروتوكولات توقع هناك، و البرلمان خارج العلم بموضوعها، حتى السمك نفسه لا يعرف مصيره، بل لا أحد يعلم كيف سيتم التعامل مع الاتفاقية المزمع توقيعها في ظل حكم قاتل ضد المغرب صدر مند شهور. يبدو أن الصيد البحري لم يعد فقط مصدرا للسمك بل حتى للمشاكل السياسية، لاسيما وأن الأسماك الصغيرة أصبحت تنسل من هذا الملف، في مقابل الحيثان الكبيرة الذي يبدو أنها ستختنق فيه، لأن المغاربة قد يقبلون "على مضض" بتفويت سمكهم، لكنهم لن يقبلوا أبدا أن يفوث جزء من وطنهم باسم اتفاقية مهما كان عائدها، كما أن لا أحد كيفما كان نوعه، وموقعه وسلطته، أو حتى ثروته يمكنه المساس بموضوع ضحى المغاربة من أجله لأزيد من 40 سنة. فحتى أسماكنا لاتريد أن ترحل من وطننا من أجل تمزيقه قانونيا، لما لذلك من خطورة على المستقبل وعلى توظيف ذلك من طرف الأعداء، فهل الأسماك أكثر وطنية من الذين يحولون الهزائم إلى انتصارات؟ أو أولائك الذين يتوهمون أنهم قادرون على تمرير ما هو مخالف لوحدة وطننا؟ فدعو أسماكنا، ودعوا وحدتنا فهي ملك للجميع، ولا حق لأحد التصرف فيها.