بوريطة.. حين تتحدث الدبلوماسية المغربية بثقة الدولة وذاكرة الملك

تابعت مرور وزير الخارجية ناصر بوريطة على القناة الثانية، فكان المشهد أشبه بقراءة مكثّفة لعقدين من التحركات الدبلوماسية المغربية، تختصرها جملة واحدة: المغرب لم ينتصر بالصدفة، بل بالبناء المتدرّج والثقة المتبادلة.
ما كشفه بوريطة لم يكن مجرد تفاصيل عن تصويت مجلس الأمن، بل إزاحة الستار عن عمق الاشتغال الذي قاده جلالة الملك محمد السادس منذ سنوات، عبر الزيارات الملكية والاتفاقيات الثنائية التي أعادت رسم خريطة علاقات المغرب مع القوى الكبرى. لذلك، حين قال بوريطة إن امتناع روسيا والصين كان «امتناعا لصالح جلالة الملك»، كان يصف نتيجة منطقية لمسار طويل من الاحترام المتبادل والمصالح المتقاطعة.

ليس خافيا أن القرار 2797 لم يكن ليمرّ بتلك السلاسة لولا أن موسكو وبكين اليوم تنظران إلى المغرب كشريك مستقر، لا كملف نزاع.

بوريطة أوضح أن “الخلاف لم يكن مع المغرب، بل مع حامل القلم اي الولايات المتحدة الامريكية” أي الجهة التي صاغت النص، وهو تعبير دبلوماسي ذكي يُبرز أن موقع المملكة أصبح محايدا عن صراعات الكبار، وأن الكل بات يتعامل معها بميزان التقدير لا الاصطفاف.

وما بين سطور حديثه تذكير صريح بأن الاعتراف الأميركي سنة 2020 بسيادة المغرب على الصحراء لم يكن نقطة النهاية، بل بداية سلسلة من التحولات. فبعد واشنطن جاءت مدريد وبرلين ولندن لتلتحق كلها بالموقف الواقعي الذي يُقرّ بأن مبادرة الحكم الذاتي هي الإطار الوحيد الممكن للحل.

هذا التراكم أعاد التوازن في ملف ظل رهينة التجاذبات لعقود، وكرّس المغرب كقوة دبلوماسية وسطية قادرة على مخاطبة الشرق والغرب بلغة المصالح لا التبعية.

بوريطة تحدّث بثقة المنتصر الهادئ، لأن ما تحقق في نيويورك لم يكن فقط نصا أمميا جديدا، بل اعترافا بمكانة المغرب الجديدة في النظام الدولي. وكمراقب، أرى أن هذا التحول في اللهجة الدبلوماسية يجب أن يجد امتداده في السردية الثقافية والإعلامية.


كيف يمكن أن تبقى هذه الملاحم السياسية خارج شاشاتنا، فيما تُهدر الملايير على سيتكومات لا ذاكرة لها؟

القوة الناعمة ليست ترفا، بل واجبا سياديا. نحن أمام فرصة لإنتاج دراما مغربية تُخلّد مسار المملكة في الدفاع عن وحدتها الترابية، وتُقرّب من المواطن قصص التحركات الملكية والديبلوماسية التي غيرت موازين مجلس الأمن.

مرور بوريطة لم يكن تفاعلا إعلاميا عابرا، بل وثيقة سياسية جديدة بلغة التلفزة: الدبلوماسية المغربية لم تعد تشرح مواقفها، بل تُعلن عن نتائجها بثقة من يعرف أنه وصل إلى موقع الشريك لا الطالب.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *