مواقع الدمار الاجتماعي.. نوافذ إلكترونية قاتمة

في زمن غابت فيه القيم، وسيطرت عليه الشهرة والمال، باتت مواقع التواصل الاجتماعي مسرحًا للظلم والانحطاط. فبدلًا من أن تكون أداة للتواصل والتعلم، تحوّلتْ إلى جحيمٍ يبتلعُ ضحاياهُ من دون رحمة.

فها هي الجنائز والمصائب تُعرضُ كأنها مسرحياتٌ هزلية، تُستغلّ لشدّ انتباه المشاهدين وجمعِ "اللايكات"، والأخلاقُ تُباعُ بأرخصِ الأثمان، والقيمُ تُداسُ تحت أقدامِ الساعين وراء الشهرةِ والمال.

 

الى متى سنبقى على هذا الوضع الكارثي الذي أصبحنا نعيش تحت ظلاله، الى متى سنشاهد تصوير الجنائز والمصائب من أجل استقطاب المشاهدات واستعطاف الجمهور بهدف "التكبيس" و"اللايك"؟

الى متى سيبقى المحتوى الذي يلفت الانتباه هو نفسه الذي يمس بحياة الأشخاص، ويشوه سمعتهم ويشهر بهم، الى متى سنبقى نرقص على مشاكل الآخر ونجعل منها محتوى نغذي به بؤسنا.

عديد التساؤلات نطرحها بشكل مستمر دون تلقي الاجابات الصريحة والواضحة،  عديد المشاكل نعيشها كل يوم بمجرد فتح هواتفنا والاطلاع على ما يجري في العالم الخارجي بهدف الحصول على المعلومة والأخبار الجديدة  قبل أن نصطدم بما يحدث داخل خيوط هذه الشبكة العنكبوتية التي يسقط ضحيتها الكثير من الأشخاص الذين لا حول لهم ولا قوة، وجدوا أنفسهم في عالم لا يجيدون العيش بداخله، أخبروهم أن التفاهة تجلب لهم الكثير من الأموال بدون عمل ولا عناء فاختاروا السباحة والغوص في أعماق البحار دون طوق نجاة وهم لا يجيدون السباحة حتى وجدوا أنفسهم في القاع، اختفوا عن أنظار السطح ولم يعد باستطاعتنا مساعدتهم، امتلأ قاع البحر بهم وأصبحوا يشوشون على غيرهم من خلال ما ينشرونه من محتوى رديء يحاولون استقطاب غيرهم من الضحايا.

أي عولمة هذه التي نتكلم عنها، وأي ذكاء اصطناعي هذا الذي وصلنا اليه وكل ما تراه أعيننا يدمي القلب..

نوافذ الكترونية تروج للجهل والتخلف ويتخذها البعض سلاحا مدمرا يستهدف كل من خالفه الرأي بطريقة غير آدمية.. هي فعلا مواقع الدمار ومواقع الشتات وبؤرة الجهل وكل المسميات ما عدا التواصل الاجتماعي.

السب والقذف والتشهير والتخلي عن القيم والمبادئ مقابل رفع نسب المشاهدة وكسب الشهرة والمال بطريقة رديئة تبخس النفس وعزتها ولا يعلمون أنهم يرفعون بذلك نسب الانحطاط والرداءة في المجتمع، هو عالم مخيف قاتم لا يدخل النور أركانه، هي حرب داخلية تتضارب مع كثرة الشخصيات في الشخص الواحد وتخرج العقد النفسية الدفينة داخل مستخدميها مخلفة سلبيات عديدة أبرزها تدمير الذات والحياة الاجتماعية.

مخيفة أصبحت الحياة وسط هذه التناقضات والاضطرابات النفسية والأفكار والسلوك الذي يترجم كل تلك العقد المتخفية وراء شاشات الهواتف والحواسب، مخيفة هي الحياة عندما يسودها ظلام الجهل وفقر الأخلاق وسواد النفس بينما يسطع فيها نور التفاهة ويشتهر فيها الغبي ويصبح تقييم الانسان من خلال عدد مشاهداته ومتابعيه على مواقع -الدمار الاجتماعي-

 

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.