في تدوينة تحليلية مثيرة نشرتها على صفحتها بموقع "فايسبوك"، سلطت الباحثة والفاعلة السياسية ميمونة الحاج داهي الضوء على ما وصفته بـ"حروب الوعي السياسي" التي يشهدها المغرب في الآونة الأخيرة، في سياق إعادة تشكيل الصورة الذهنية لحزب العدالة والتنمية في وجدان الرأي العام.
ورأت داهي أن ما يجري ليس مجرد سجال نقدي أو تقييم موضوعي لتجربة الحزب في تدبير الشأن العام، بل هو "حملة هجومية مركبة" تتخذ طابعًا إعلاميًا وسياسيًا متداخلاً، هدفها إضعاف صورة الحزب وتشويه رصيده الأخلاقي والسياسي، في إطار ما يشبه "إعادة هندسة للخريطة السياسية عبر الشيطنة الناعمة".
واعتبرت أن هذه الحملة لا تندرج ضمن منطق التعددية في الرأي أو التنافس الديمقراطي المشروع، بل تعكس استراتيجيات تستهدف "إفراغ الساحة من أي منافس سياسي فعلي"، من خلال إنهاك صورة العدالة والتنمية والتشكيك في شرعيته، دون تقديم بدائل حقيقية، بل فقط من خلال خطاب سلبي يُقدّم "الآخر" كفاشل من أجل تلميع صورة "البديل".
وأشارت داهي إلى أن هذا النمط من الاستهداف يعكس ما سماه المفكر بيير بورديو بـ"العنف الرمزي"، حيث يتم تدمير الخصم لا بالوسائل المباشرة، بل عن طريق المساس برمزيته ومصداقيته لدى الجماهير، في عملية منظمة تستثمر التراكمات النفسية السلبية للمواطنين، وتُدار أحيانًا من داخل الحزب ذاته، عبر ما وصفته بـ"النقد الذاتي المستدرج".
وفي إشارة إلى تصريحات بعض الوجوه السابقة في الحزب، اعتبرت أن هذا النقد الداخلي لا يرقى إلى المراجعة الجادة، بل يشكل محاولة لاختراق الحزب من الداخل وتحويله إلى ذات تنقض نفسها بنفسها، في مسار يهدف إلى تقويض بنيته التنظيمية والرمزية.
واستحضرت داهي في تحليلها تصنيف ماكس فيبر لأخلاقيات العمل السياسي بين "أخلاق الاقتناع" و"أخلاق المسؤولية"، معتبرة أن النقد الموضوعي لتجربة العدالة والتنمية يجب أن ينطلق من تقييم واقعي لنتائج تدبيره، بعيدًا عن الاختزال والتبسيط، لا سيما أن الحكم عليه يجب أن يشمل عناصر التجربة ومسؤولياتها وسياقها العام.
وتطرقت التدوينة أيضًا إلى دور وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، التي اعتبرتها أصبحت "أدوات للتعبئة النفسية السريعة" بدل أن تكون فضاءً للنقاش العمومي الرصين. وأكدت أن هذه الوسائط تُستخدم لتضخيم الرسائل المشفرة، وإعادة صياغة الصور والانطباعات، في ما يشبه "حربًا ناعمة على الوعي الجماعي".
وحذرت المتحدثة من خطورة تحويل السياسة إلى ساحة لتصفية الحسابات الشخصية، أو إلى مسرح لإعادة توزيع النفوذ عبر تسفيه الخصوم، معتبرة أن هذا النهج يؤدي إلى زعزعة ثقة المواطنين في العمل السياسي، ويعزز مظاهر العزوف واللامبالاة، ما يُفضي إلى هشاشة في المشروعية السياسية.
واختتمت ميمونة الحاج داهي تدوينتها بتشديدها على أن الخطر الحقيقي لا يكمن في فشل حزب معين، بل في نجاح "عقلية الإقصاء" التي تبني شرعيتها على أنقاض صورة الآخر، ما ينتهي إلى إنتاج سلطة بلا جذور، وفقدان للرؤية الديمقراطية الناضجة.
وأكدت أن وحده المشروع السياسي الصادق، القائم على الإقناع والوضوح، قادر على إعادة بناء الثقة العامة، وإعادة الاعتبار للفعل السياسي كأفق وطني مشترك، وليس مجرد سلعة انتخابية عابرة.