ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، في تقرير شامل عن تحول كرة القدم المغربية، أن المملكة أصبحت نموذجًا فريدًا للاستثمار في الرياضة كأداة للدبلوماسية والتنمية. من خلال بنية تحتية رياضية متطورة واستراتيجية محكمة، لم تعد كرة القدم مجرد رياضة وطنية بل أداة سياسية واقتصادية لتعزيز مكانة المغرب على الصعيدين الإقليمي والدولي.
في قلب هذا التحول، برزت مشاريع طموحة مثل تطوير الملاعب وبناء أكاديميات تدريب عالمية، إلى جانب استضافة بطولات كبرى مثل كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، مما يعكس رؤية المغرب لتحويل كرة القدم إلى قوة ناعمة لتعزيز حضوره الدولي.
المغرب: صعود كرة القدم كقوة ناعمة ودبلوماسية رياضية
خلال العقد الماضي، شهد المغرب تحولًا جذريًا في علاقته بكرة القدم، التي لم تعد مجرد لعبة رياضية، بل أصبحت أداة استراتيجية تعكس طموحات المملكة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
من ملعب “الحارثي” إلى مشروع ملعب الأكبر في العالم
ملعب “الحارثي” بمراكش، الذي كان مهجورًا لفترة طويلة بعد انتقال فريق الكوكب المراكشي إلى ملعب أكبر، يعكس تحولاً لافتًا في البنية التحتية الرياضية بالمغرب. أُعيد افتتاح الملعب في 2018 بعد تجديده بإضافة مقاعد ملوّنة، نظام ري حديث، وإنارة متطورة. تحول الملعب إلى وجهة مهمة لاستضافة تدريبات المنتخبات الإفريقية والأندية، مما يعكس استراتيجية المغرب في استخدام الرياضة لتعزيز حضوره القاري.
لكن الطموحات المغربية لم تتوقف هنا. فبالقرب من مدينة الدار البيضاء، يتم إنشاء “الملعب الكبير الحسن الثاني”، الذي سيصبح أكبر ملعب في العالم بسعة 115,000 متفرج، ليكون رمزًا لجهود المغرب في تعزيز مكانته كقوة صاعدة في عالم كرة القدم. ومن المتوقع أن يكون هذا الملعب مرشحًا لاستضافة نهائي كأس العالم 2030، الذي سيكون المغرب أحد شركاء تنظيمه مع إسبانيا والبرتغال.
جدول مزدحم بالأحداث الرياضية
المغرب يستعد لاستضافة كأس أمم إفريقيا 2025 لأول مرة منذ عام 1988، كما أنه سيستضيف كأس العالم 2030 في خطوة تؤكد التزامه بريادة القارة رياضيًا. بالإضافة إلى ذلك، سيستضيف المغرب النسخ المقبلة من كأس العالم للسيدات تحت 17 عامًا حتى 2029، بالإضافة إلى استضافة قمة كرة القدم العالمية في 2025، حيث يجتمع القادة والخبراء في المجال.
فوْزي لقجع: المهندس وراء الحلم المغربي
تُعدّ شخصية فوْزي لقجع، رئيس الاتحاد المغربي لكرة القدم وعضو مجلس الفيفا، محورية في قصة صعود المغرب رياضيًا. منذ توليه المنصب في 2014، ساهم لقجع في تحسين البنية التحتية، وإطلاق مشاريع تدريبية ضخمة، وإعادة توجيه بوصلة المغرب نحو إفريقيا بعد انسحاب مؤقت من المشهد القاري عقب أزمة استضافة أمم إفريقيا 2015.
جهود لقجع أثمرت عن تحسين علاقات المغرب مع الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (CAF) ومع الفيفا، مما عزز نفوذ البلاد في اتخاذ القرارات الرياضية الكبرى.
استثمار ضخم وطموح عالمي
استثمر المغرب مليارات الدولارات في تطوير ملاعب ومنشآت تدريبية، أبرزها أكاديمية الملك محمد السادس لكرة القدم، التي تُعدّ واحدة من أكثر الأكاديميات تطورًا في العالم. تم تصميم الأكاديمية لتطوير المواهب المحلية وتوفير بيئة تدريب عالمية المستوى، مما ساعد الأندية المغربية على الهيمنة في البطولات الإفريقية.
وعلى الرغم من النجاحات، يواجه المغرب تحديات تتعلق بالتوازن بين الطموحات الرياضية والتنمية الاجتماعية. فبينما يعيش العديد من سكان المناطق الريفية تحت خط الفقر، لا تزال هناك أسئلة حول أولويات الإنفاق في البلاد.
نجاحات على أرض الملعب وخارجها
أداء المغرب في كأس العالم 2022 كان لحظة تحول تاريخية، حيث أصبح أول دولة إفريقية وعربية تصل إلى نصف النهائي. لكن وراء هذا الإنجاز، تكمن قصة استثمار طويل الأمد في تطوير كرة القدم. أكثر من 70% من لاعبي المنتخب المغربي ولدوا أو تدربوا في أوروبا، مما يعكس استفادة البلاد من جاليتها الكبيرة في الخارج.
ومع ذلك، يتطلع المغرب إلى تطوير لاعبيه محليًا، مستهدفًا نموذجًا مشابهًا لمصر، حيث يتمتع اللاعبون المحليون بجودة تنافسية ورواتب تجذبهم للبقاء في أنديتهم الوطنية.
دبلوماسية رياضية بلمسة مغربية
من خلال استضافة البطولات الكبرى واستثمار الموارد في البنية التحتية، يسعى المغرب لتعزيز نفوذه الدبلوماسي والاقتصادي. كما أن افتتاح مقر دائم للفيفا في مراكش يؤكد على موقع المملكة كمركز رياضي استراتيجي في إفريقيا.
رؤية طموحة للمستقبل
كرة القدم ليست مجرد رياضة بالنسبة للمغرب، بل أداة لتغيير الصورة النمطية، وبناء جسور التواصل، وتعزيز الاقتصاد. ومع اقتراب عام 2030، يبدو أن المغرب عازم على إثبات نفسه كقوة رياضية وسياسية في آنٍ واحد.