جون أفريك: تسارع الأحداث يقرّب الحسم في ملف الصحراء المغربية
سلّطت مجلة “جون أفريك” الفرنسية، في تقرير تحليلي حديث، الضوء على التطورات المتسارعة التي يشهدها ملف الصحراء المغربية، معتبرة أن الأشهر القليلة المقبلة قد تكون حاسمة، وربما تقود إلى تحول جذري في هذا النزاع الإقليمي الذي دام زهاء نصف قرن.
ووفق التقرير، فإن سلسلة من التحركات الدبلوماسية، التي تشمل الرباط وواشنطن والجزائر ونيويورك، تُنذر بمرحلة جديدة قد تنضج قبل أكتوبر المقبل، أو في أقصى تقدير قبل حلول الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء.
وترى المجلة أن جميع المؤشرات تصب في صالح المغرب، مشيرة إلى أن بعثة “المينورسو” قد تكون على مشارف تعديل جوهري في طبيعة دورها، أو حتى مواجهتها خطر الزوال، في ظل تصاعد الدعوات إلى تجاوز مرحلة المراقبة التقليدية نحو دعم فعلي للحل السياسي.
واستشهدت المجلة بتصريح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، عقب لقائه بنظيره المغربي ناصر بوريطة، حيث اعتبر خطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب “الأساس الوحيد الجاد والواقعي للمفاوضات”.
وفي السياق ذاته، ربطت “جون أفريك” بين هذا الموقف وبين اللقاء الذي جمع نائبة وزير الخارجية الأمريكي بالمبعوث الأممي ستافان دي ميستورا، في إشارة واضحة إلى أن واشنطن تضغط لتسريع وتيرة التوصل إلى تسوية سياسية تستند إلى المبادرة المغربية.
واعتبرت المجلة أن دي ميستورا نفسه، في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن، ألمح إلى تجاوز أطروحات الاستفتاء والتقسيم، من خلال دعوته إلى الاستفادة من “الزخم الجديد” وتفصيل المقترح المغربي للحكم الذاتي، مستشهداً بدعم قوى كبرى كفرنسا والولايات المتحدة.
ولا يقتصر الحراك الأمريكي على التصريحات، بل يمتد إلى عمق دوائر صناعة القرار في الكونغرس. فقد وصف النائب الجمهوري جو ويلسون، رئيس اللجنة الفرعية لشؤون إفريقيا، جبهة البوليساريو بأنها “كيان إرهابي مرتبط بإيران وحزب الله”، داعياً إلى تصنيفها كذلك.
كما نقلت المجلة دعوة مسعد بولس، المستشار الخاص للرئيس الأمريكي، إلى حل “براغماتي وسريع” للملف، محدداً مهلة زمنية لا تتعدى ثلاثة أشهر، في ما وصفه الدبلوماسي المغربي المتقاعد أحمد فوزي بأنه يعكس “إرادة أمريكية حقيقية لإغلاق الملف قبل نهاية السنة الجارية”.
ويتقاطع هذا التوجه مع زخم دبلوماسي دولي متزايد لصالح المقترح المغربي، فبعد اعتراف إدارة ترامب بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، تبعتها إسبانيا سنة 2022، ثم فرنسا في صيف 2024، حيث أكدت باريس أن مقترح الحكم الذاتي المغربي هو “الحل الوحيد الجاد وذي المصداقية”.
وعلى المستوى الإفريقي، استقبل الملك محمد السادس وزراء خارجية مالي، بوركينا فاسو، والنيجر، الذين أعلنوا دعمهم الصريح للمبادرة المغربية، وهو ما يعزز مكانة الصحراء المغربية كمحور استراتيجي في مشروع الاندماج الإقليمي الإفريقي، خاصة من خلال مبادرة “الوصول الأطلسي”.
في المقابل، لفتت المجلة إلى المأزق الذي تعيشه الجزائر، التي تواصل دعمها لجبهة البوليساريو مع رفضها الانخراط في أي مفاوضات مباشرة، لكنها في الآن ذاته تلتزم صمتاً لافتاً تجاه التحولات التي تقودها واشنطن، وهو ما اعتبرته المجلة مؤشراً على ارتباك واضح وتفادٍ لمواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة.
وسجّلت “جون أفريك” سلسلة مؤشرات على تراجع جبهة البوليساريو، منها الإقالة المفاجئة لما يسمى بـ”وزير خارجيتها”، وخسارة دعم عدد من دول أمريكا اللاتينية، إلى جانب غياب الملف عن البيان الختامي لقمة الاتحاد الإفريقي الأخيرة، وتزايد الشبهات بشأن ارتباطات الجبهة بشبكات متطرفة. كما أوردت المجلة رفض كل من موريتانيا ومصر المشاركة في مناورات عسكرية جزائرية بسبب وجود عناصر من الجبهة، ما يعكس تراجعاً في مستوى القبول الإقليمي بها.
وخلصت المجلة إلى أن وضع الجبهة بات أضعف من أي وقت مضى، وأن المغرب يبدو في موقع دبلوماسي متقدم، بدعم قوى كبرى إقليمية ودولية، مما يجعل حسم الملف أقرب من أي وقت مضى، في ظل تحولات جيوسياسية متسارعة، ورغبة أمريكية واضحة في إغلاق هذا الملف العالق.