برحيل البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، صباح اليوم الإثنين 21 أبريل، يفقد العالم صوتاً إنسانياً لم يتوانَ حتى آخر رمق عن المناداة بالقيم العليا ورفع صوت المعذبين. ففي وداعه الأخير للعالم، والذي جاء عبر رسالة مؤثرة تلاها أحد معاونيه أمس الأحد من شرفة كاتدرائية القديس بطرس، كانت معاناة غزة وشعبها هي الشاغل الأكبر لقلب البابا الراحل.
وكأنها وصية أخيرة، توجه البابا فرنسيس، في كلمته أمام الحشود المحتفلة بـ"عيد الفصح"، بفكره وقلبه مباشرة إلى "شعب غزة، ولا سيما إلى الجماعة المسيحية فيها"، مندداً بالنزاع "الرهيب" الذي لا يولد، حسب وصفه الصادق، سوى "الموت والدمار". لم يكتف بالإشارة، بل شخص الوضع بكلمات تعكس عمق الألم الإنساني، واصفاً إياه بـ"وضع إنساني مروع ومشين".
لم تكن مجرد إدانة، بل كانت صرخة إنسانية من أجل الحياة: "أدعو إلى وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن، وتقديم المساعدة للشعب الذي يتضور جوعاً، ويتوق إلى مستقبل يسوده السلام". كلمات بسيطة، لكنها تحمل ثقل معاناة شعب بأكمله، وتلخص جوهر الرسالة التي كرس لها البابا حياته: السلام، الرحمة، ونصرة المستضعفين.
هذه اللحظات الأخيرة لم تكن إلا امتداداً لمسيرة حافلة بالمواقف الإنسانية الشجاعة. فالبابا فرنسيس هو من اعترف رسمياً بدولة فلسطين، ورفع علمها في قلب الفاتيكان، وزار بيت لحم مستقبلاً من الرئيس محمود عباس، مصلياً في كنيسة المهد ومتوقفاً بتأثر أمام جدار الفصل العنصري، مؤكداً دوماً أن السلام هو الطريق الوحيد، وأن الحروب لا تجلب سوى المزيد من المآسي.
هذه المواقف الإنسانية الراسخة هي ما أشادت به حركة "حماس" في تعزيتها للكنيسة الكاثوليكية وعموم المسيحيين. بيان الحركة لم يركز فقط على التعازي، بل أبرز "مناقب البابا فرنسيس ومواقفه في تعزيز قيم الحوار بين الأديان، والدعوة إلى التفاهم والسلام بين الشعوب، ونبذ الكراهية والعنصرية".
وأكدت الحركة أن البابا الراحل "عبّر في أكثر من مناسبة عن رفضه للعدوان والحروب في العالم، وكان من الأصوات الدينية البارزة التي نددت بجرائم الحرب والإبادة التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة". واعتبرت مواقفه "أخلاقية وإنسانية"، داعية إلى "مواصلة الجهود المشتركة بين أصحاب الرسالات السماوية والضمائر الحية في مواجهة الظلم والاستعمار، ونصرة قضايا العدالة والحرية وحقوق الشعوب المظلومة".
رحل البابا فرنسيس، لكن صدى ندائه الأخير من أجل غزة، ومن أجل الإنسانية جمعاء، سيبقى يتردد، شاهداً على رجل دين لم تفارقه الإنسانية حتى النفس الأخير.