هل يؤثر صعود الحزب الشعبي على موقف إسبانيا من الصحراء؟

تشهد العلاقات المغربية الإسبانية منعطفا حاسما مع تزايد إمكانية وصول الحزب الشعبي للسلطة في مدريد، حيث يثير الغموض المستمر في موقف هذا الحزب من خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء قلقا متناميا في الرباط.

فبعد سنوات من التقارب الاستراتيجي الذي حققته حكومة سانشيز منذ 2022، تواجه الشراكة الثنائية المغربية الإسبانية اختبارا جديدا يتطلب وضوحا سياسيا حول قضية تُعتبر محورية في السياسة الخارجية لكلا البلدين.

لقد نجحت الحكومة الاشتراكية الإسبانية في تجاوز عقود من التردد الدبلوماسي عبر دعمها الصريح للمقترح المغربي، مما فتح آفاقاً واسعة للتعاون في ملفات حيوية كالطاقة والأمن ومكافحة الهجرة غير الشرعية.

غير أن التصريحات المبهمة للحزب الشعبي ولقاءاته مع ممثلي البوليساريو تطرح تساؤلات حول استمرارية هذا المسار التصاعدي، خاصة في ظل تعقد المشهد الجيوسياسي الإقليمي.

يدرك المغرب أن العلاقة مع إسبانيا تجاوزت البُعد الثنائي لتصبح جزءا من معادلة أوسع تشمل الاستقرار المتوسطي والأمن الأوروبي، لذلك فإن مطالبته بموقف واضح من الحزب الشعبي ليس ضغطا سياسيا بل ضرورة استراتيجية لضمان استمرار التفاهم المثمر الذي بُني بجهود مضنية على مدى السنوات الماضية.

الجذور التاريخية والسياق السياسي

يشير المتخصص في العلاقات المغربية الإسبانية نبيل دريوش، مؤلف كتاب “الجوار الحذر”، إلى أن قضية الصحراء في عهد الجنرال فرانكو كانت تُعتبر قضيته الشخصية، لذلك لم تُحل إلا بوفاته. ومنذ فترة الانتقال الديمقراطي في عهد حكومة أدولفو سواريث تبنت مدريد ما عُرف بـ”الحياد الإيجابي”، والذي لم يكن حياداً حقيقياً في الواقع.

منذ تلك الفترة أصبحت قضية الصحراء قضية الدولة الإسبانية، وكانت الحكومات المتعاقبة تتحرك داخل هذا الإطار الثابت. ما حصل في مارس 2022 لم يكن مجرد قرار أعلنت عنه الحكومة الاشتراكية وحدها، بل كان الحزب الشعبي على علم بهذا القرار قبل خروجه للعلن، مما يكشف عن وجود توافق ضمني حول التوجه الجديد.

ديناميكيات المعارضة والسلطة

نبيل الدريوش

ويرى دريوش أن الحزب الشعبي يحق له حالياً المزايدة السياسية بقضية الصحراء كونه في المعارضة، لكن هذه الهوامش ستضيق بمجرد وصوله للسلطة. عندها سيكون في موقع المساءلة وستهاجمه المعارضة وتتهمه بإفساد العلاقات مع المغرب، كما سيتلقى ضغوطاً من الدولة العميقة، وهو ما لا يحصل الآن في موقع المعارضة المريح.

هذا التحليل يفسر جزءاً من الغموض الحالي في مواقف الحزب الشعبي، حيث يحاول الاستفادة من موقعه في المعارضة لكسب نقاط سياسية دون تحمل مسؤولية القرارات الفعلية. غير أن هذه الاستراتيجية قد تصطدم بواقع الحكم المعقد والضغوط المتعددة التي ستواجهها أي حكومة إسبانية مقبلة.

استراتيجية الابتزاز المحتملة

يميل صاحب كتاب ’’الجوار الحذر ’’ ، إلى الاعتقاد أن الحزب الشعبي سيحاول ابتزاز المغرب بممارسة ضغط سياسي ونفسي للحصول على امتيازات جديدة، لاسيما في قضية سبتة ومليلة.

فالحزب الشعبي يعتقد حاليا أن الاشتراكيين لم يتمكنوا من الحصول على هذه الامتيازات، بمعنى أنه يريد من المغرب أن يدفع ثمنا إضافيا مقابل الموقف الإسباني الجديد من قضية الصحراء.

هذا التوجه المحتمل قد يفسر التحركات الرمزية للحزب الشعبي مثل اللقاءات مع ممثلي البوليساريو أو تحسين العلاقات مع الجزائر، كأوراق ضغط في مفاوضات مستقبلية محتملة.

ويتوقع الخبير  ذاته أن تشهد العلاقات الثنائية توترا ظرفيا في هذا الاتجاه، خاصة في المراحل الأولى من أي حكومة شعبية محتملة.

الآفاق المستقبلية

رغم هذه التحديات المحتملة، تبقى العلاقات المغربية الإسبانية أكبر من الحسابات الحزبية الضيقة. فالمصالح المشتركة في مجالات الأمن والطاقة والتجارة، إضافة إلى الضرورات الجيوسياسية في المنطقة، تفرض منطقا براغماتيا على أي حكومة إسبانية مقبلة.

المغرب من جانبه يتعامل مع هذه الاحتمالات بحذر دبلوماسي، مؤكدا على ضرورة الوضوح والاتساق في المواقف السياسية. فالتجربة التاريخية تُظهر أن التقلبات في المواقف السياسية قد تُضعف سنوات من الجهود المشتركة، كما حدث في أزمة جزيرة ليلى في عهد أزنار.

ويرى الخبراء أن  مستقبل العلاقات المغربية الإسبانية سيتحدد بمدى قدرة النخب السياسية في كلا البلدين على تجاوز المناورات التكتيكية قصيرة المدى لصالح رؤية استراتيجية طويلة الأمد تخدم المصالح المشتركة والاستقرار الإقليمي.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *