هل الانسجام داخل مجلس جهة سوس ماسة بدأ يتلاشى؟، سؤال يطرح نفسه بقوة في ظل مؤشرات على تصدع الأغلبية المسيرة، نتيجة احتدام الخلافات بين منتخبي حزب التجمع الوطني للأحرار من جهة، ونظرائهم في حزبي الاستقلال والأصالة والمعاصرة من جهة أخرى، عقب إقصاء ممثلي الحزبين الأخيرين من عضوية مكتب مجموعة الجماعات للصحة بقطب أولاد تايمة بإقليم تارودانت.
هذا التوتر الحزبي الذي تفجر على خلفية نزاع حول توزيع المناصب، أسفر عن تعطيل انعقاد دورة يونيو للمجلس الإقليمي لتارودانت، بسبب غياب النصاب القانوني. فقد غاب 27 عضواً عن أشغال الدورة، معظمهم منتمون لحزبي الأصالة والمعاصرة والاستقلال، مقابل حضور 13 عضوا فقط.
الاحتقان ازداد حدة بعد صدور بلاغ مشترك عن حزبي الاستقلال و”البام”، عبّرا فيه عن رغبتهما في إنهاء الشراكة مع حزب الأحرار بخصوص تدبير عدد من الجماعات الترابية في الجهة، ما يكشف عن تصدع متزايد في صفوف التحالف الثلاثي المسير لمجلس الجهة، حسب “اليوم24“.
وتتجه الأنظار حالياً نحو الدورة العادية لشهر يوليوز المقبل، وسط تساؤلات عن مدى قدرة المجلس على تجاوز هذه الأزمة، خاصة بعد تصاعد شكاوى أعضاء من ما وصفوه بـ”التسيير الانفرادي والارتجالي” لرئيس الجهة، وهي الممارسات التي دفعت النائبة الأولى إلى مقاطعة كافة أنشطة المجلس منذ الدورة الأخيرة.
إلى جانب الخلافات السياسية، يعاني المجلس من تعثر في تنفيذ عدد من المشاريع، ما عمّق فجوة التفاهم بين مكونات التحالف. وقد ساهم تجاوز ما هو مبرمج في وثيقة التنمية الجهوية إلى تفاقم الوضع، مما أثار انتقادات واسعة داخل المجلس.
ورغم التطلعات الكبيرة التي رافقت انطلاق الولاية الحالية للمجلس، إلا أن الواقع المالي للمؤسسة الجهوية ينذر بانهيار محتمل للمخططات التنموية التي تم التسويق لها. فقد وُضع برنامج التنمية الجهوية بكلفة تقارب 6 ملايين درهم، وخصصت مساهمة الجهة بـ9.8 مليارات درهم، ضمن تكلفة إجمالية للمشاريع ناهزت 37.7 مليار درهم.
غير أن تقرير تقييم مدى تقدم البرنامج، الذي نوقش في دورة مارس 2025، كشف عن تجاوز عدد المشاريع المبرمجة لما هو منصوص عليه في الوثيقة الأصلية. فالمجلس تداول في 305 اتفاقيات إلى حدود دجنبر 2024، مقابل 264 مشروعا مبرمجا، ما رفع مساهمة الجهة إلى أزيد من 11 مليار درهم، متجاوزة السقف المحدد سلفاً.
وتشير مصادر متطابقة، إلى وجود خلل بنيوي في التدبير المالي وبرمجة عشوائية، أفقدت الوثائق المرجعية وعلى رأسها برنامج التنمية الجهوية مصداقيتها وفعاليتها.
وتتفاقم الأزمة بفعل التزامات تعاقدية ضخمة تجاوزت 7.6 مليارات درهم إلى حدود نهاية 2024، فيما بلغت القروض من صندوق التجهيز الجماعي أكثر من 3 مليارات درهم، وهو رقم يفوق قدرة الجهة على السداد حتى نهاية سنة 2027، وفق المؤشرات المالية المعتمدة.
وفي ظل تراجع الموارد الذاتية وتعقيد مساطر التمويل الخارجي، تواجه الجهة حاجة ملحة لتعبئة أكثر من 6 مليارات درهم خلال ما تبقى من الولاية، وهو أمر شبه مستحيل وفق المعطيات الحالية.
ومع تصاعد هذا الوضع، تصبح فكرة استكمال تنفيذ المشاريع الكبرى مجرد حلم بعيد المنال، خصوصاً تلك التي رُوّج لها كركائز للنهضة الجهوية، مثل مشروع توسيع ميناء أكادير، وتطوير مطاري أكادير وطاطا، وإنشاء الطريق السيار للمياه، والميناء الجاف، إلى جانب مشاريع التعليم والسياحة ودعم الاستثمار.
الفجوة بين الخطاب السياسي والواقع التنفيذي أصبحت اليوم أكثر وضوحاً، ما يعكس ليس فقط سوء تقدير القدرات المالية، بل أيضاً غياب التخطيط الاستراتيجي والحوكمة الرشيدة ومبدأ الالتقائية في تنفيذ السياسات الجهوية.
ووفق عدة مؤشرات، فإن الوضع المالي لمجلس جهة سوس ماسة هو نتيجة مباشرة لسلسلة قرارات مرتجلة، لم تراعِ الواقع المالي ولا أولويات الجهة، مما يهدد بانهيار مسار الولاية الحالية قبل أوانها.
وبات المجلس، بدلاً من أن يكون رافعة تنموية، يشكل عبئاً يهدد بزعزعة مصداقية المؤسسات الجهوية، في وقتٍ ينتظر فيه المواطن نتائج ملموسة على الأرض.