كشمير.. من نار 1947 إلى جحيم 2025: سرد تاريخي لصراع لم يبرد قط

تشهد منطقة جنوب آسيا من جديد تصعيدًا خطيرًا بين الجارتين النوويتين، الهند وباكستان، بعد هجوم دامٍ استهدف سياحًا هندوس في منطقة كشمير المتنازع عليها، ما دفع نيودلهي إلى الرد بغارات جوية استهدفت مواقع داخل العمق الباكستاني، سرعان ما جاءت إسلام آباد هي الأخرى بردّ عسكري مضاد، معلنة إسقاط طائرات مقاتلة وطائرة مسيرة، في خطوة حملت رسالة واضحة بأن التصعيد لن يمر دون ثمن.

وليست هذه الجولة سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من المواجهات التي لم تضع الحرب أوزارها فيها منذ أكثر من سبعة عقود، فمنذ الاستقلال المشترك عام 1947، لم تنعم كشمير إلا بالهدن المؤقتة، في حين ظلّ السلام مؤجلًا، ومعه تنزلق المنطقة في كل مرة نحو حافة الانفجار.

وبدأت القصة عند لحظة الانفصال، حين تسللت مجموعات مسلحة من باكستان إلى الإقليم ذي الغالبية المسلمة، ما دفع المهراجا إلى إعلان الانضمام للهند، لتندلع أولى الحروب بين الجارتين.
حرب انتهت بتقسيم الإقليم برعاية أممية، لكنها لم تضع حدًا للطموحات الجيوسياسية المتقابلة، إذ ما لبثت أن اندلعت حرب جديدة عام 1965، بعد دعم باكستان لتمرد مسلح في كشمير، وانتهت بتوقيع اتفاق طشقند، في لحظة كانت موسكو حينها تتوسط في مشهد لم يخلُ من التوتر الإقليمي والدولي.

لكن الأخطر كان في 1971، حين دخلت الهند بثقلها إلى ملف انفصال بنغلاديش، لتتكبد باكستان خسارة قاسية انتهت بولادة دولة جديدة شرقًا، وبعد عقود من الجمود الظاهري، عادت القمم الجليدية في "كارغيل" لتشهد اشتباكات ضارية سنة 1999، حين تسلل مقاتلون باكستانيون إلى مواقع استراتيجية، فردت الهند بحملة عسكرية مكثفة، ما اضطر إسلام آباد إلى التراجع تحت ضغط أمريكي مباشر.

في المقابل لم يأت القرن الجديد، بل هزّ البرلمان الهندي هجوم مسلح سنة 2001، كاد أن يشعل حربًا شاملة لولا تدخلات دولية في اللحظات الأخيرة، وفي 2008، عادت مومباي إلى الواجهة بعد هجوم دامي خلّف أكثر من 170 قتيلًا، اتُّهمت جماعة "لشكر طيبة" المقربة من باكستان بتنفيذه، ما أعاد توتير الأجواء. وتكررت المعادلة ذاتها سنة 2016، حين ردت الهند على هجوم في "أوري" بعملية عسكرية سمتها "ضربات جراحية"، قالت إنها استهدفت معسكرات للمسلحين داخل باكستان.

لكن التصعيد بلغ ذروته في فبراير 2019، حين قُتل أكثر من أربعين جنديًا هنديًا في هجوم انتحاري في "بولواما"، لترد نيودلهي بغارات جوية على منطقة بالاكوت، زاعمة استهداف معسكر إرهابي.
فيما جاء الرد الباكستاني سريعًا بإسقاط طائرة حربية وأسر طيارها، الذي أُفرج عنه لاحقًا في بادرة حُسبت وقتها على أنها محاولة لفرملة الاندفاع نحو المواجهة.

واليوم، تعود النيران لتلتهم خطوط التماس من جديد. الهند تتهم جماعات متمركزة في باكستان بتنفيذ هجوم باهالغام، وترد بقصف تسعة مواقع قالت إنها معاقل لمتشددين، بينما تعلن باكستان إسقاط خمس طائرات هندية، وتؤكد قدرتها على الدفاع عن سيادتها، متهمة نيودلهي بانتهاك صارخ للقانون الدولي.

وسط هذا التصعيد، تغيب بوادر التهدئة، ويتصدر الخطاب المتشدد واجهات السياسة في البلدين، ما يعكس انزلاقًا مقلقًا نحو احتمالات مفتوحة. فكشمير لم تعد مجرد ملف إقليمي عالق، بل أصبحت مرآة مكشوفة لصراع معقد، تتقاطع فيه الجغرافيا مع الذاكرة، ويختلط فيه التاريخ بالدين، والسيادة بالدم.

وفي غياب قنوات حوار فعالة، وتنامي الخطاب القومي في البلدين، يبدو أن جنوب آسيا تمضي في اتجاه المزيد من التوتر، في مشهد تتقاطع فيه الحسابات المحلية مع رهانات إقليمية ودولية، وحدها كشمير تبقى الثابت الوحيد وسط كل هذا التحول، بوصفها جرحًا مفتوحًا، وندبة جيوسياسية لا يلتئم جرحها، مهما تغيرت الوجوه أو تعاقبت الحكومات.