هل الجزائر "مسكونة" بالمغرب؟ كشف النمط الصادم للتحركات المتطابقة !

تثير سلسلة من الأحداث المتلاحقة في الأسابيع الأخيرة تساؤلات متزايدة في أوساط المراقبين حول طبيعة الديناميكية بين الجزائر والمغرب، وما إذا كانت التحركات الجزائرية الأخيرة تمثل استراتيجية مستقلة أم أنها تندرج ضمن نمط من ردود الفعل السريعة والمحاكاة لمبادرات الجار الغربي الذي هو المغرب.

أحدث فصول هذا المشهد تجلى في الساحة الموريتانية؛ فبالكاد اختتم "الأسبوع الثقافي التجاري المغربي" فعالياته الناجحة في نواكشوط نهاية أبريل الماضي، حتى سارعت وزارة التجارة الخارجية الجزائرية للإعلان عن تنظيم "أسبوع للعرض التجاري" للمنتجات الجزائرية في العاصمة الموريتانية أيضاً، والمقرر انطلاقه في 22 مايو 2025.

اللافت ليس فقط التقارب الزمني والمكاني، بل طبيعة الحدث الذي يركز على عرض القدرات الإنتاجية الجزائرية في قطاعات متعددة، مع التأكيد على "البيع المباشر للزوار"، وهي صيغة توحي بمحاولة استثمار زخم تجاري قد يكون أحدثه النشاط المغربي السابق. هذا التتابع يغذي الانطباع بأن الخطوة الجزائرية جاءت كصدى مباشر للنجاح المغربي في نواكشوط، في محاولة لتأكيد الحضور في سوق تعتبره كلتا الدولتين استراتيجياً.

على صعيد دبلوماسي موازٍ، برز نمط مشابه من الردود السريعة. فبعد يومين فقط من استقبال العاهل المغربي الملك محمد السادس لوزراء خارجية مالي وبوركينا فاسو والنيجر، في لقاء ركز على تعزيز التعاون الإقليمي ودعم المبادرة الملكية لولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي – وهي خطوة مغربية ذات أبعاد استراتيجية واقتصادية واضحة – استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي. وبينما جاء اللقاء المغربي في سياق بناء شراكات جديدة مع دول الساحل الباحثة عن بدائل اقتصادية، بدا الاستقبال الجزائري لغالي، الذي وصفته الرئاسة الجزائرية بأنه لبحث "العلاقات الثنائية"، بمثابة رسالة سياسية مضادة، وإعادة لتأكيد الموقف الجزائري التقليدي من قضية الصحراء ، وربما محاولة لـ "موازنة" الزخم الدبلوماسي المغربي تجاه منطقة الساحل التي تشهد تحولات جيوسياسية هامة.

ولا يمكن فصل هذه التحركات عن سياق داخلي وإقليمي أكثر تعقيداً. تتزامن هذه الأحداث مع تزايد التقارير والأخبار المتداولة حول اضطرابات وأعمال عنف داخل مخيمات تندوف، وسط تصاعد لغضب الشباب وتزايد الحديث عن "انفلات أمني" وتوترات بين فصائل مختلفة، بما في ذلك اشتباكات متكررة بين مهربين وميليشيات البوليساريو، وحتى مواجهات سابقة مع الجيش الجزائري.

تقرير مجلة "جون أفريك" الأخير يرسم صورة قاتمة لوضع السكان المحتجزين، واصفاً إياهم بـ "ضحايا صراع تجاوزهم"، ومشيراً إلى حالة من اليأس وفقدان الأمل، بل وإلى تشكيك متزايد داخل دوائر جزائرية في قدرة البوليساريو على تحقيق أي نصر، واعتبار مبادرة الحكم الذاتي المغربية "الطرح الأكثر واقعية".

في ضوء هذه التحديات الداخلية المتعلقة بمخيمات تندوف، والضغوط المتزايدة، قد تكون زيارة إبراهيم غالي للجزائر مدفوعة أساساً بالحاجة لإطلاع القيادة الجزائرية على حقيقة الأوضاع وبحث سبل للخروج من الأزمة المتفاقمة في المخيمات. ومع ذلك، فإن توقيت الاستقبال الرئاسي له، مباشرة بعد اللقاء الملكي المغربي مع وزراء الساحل، يعزز تفسير هذا الاستقبال بأنه يحمل أيضاً بعداً رد فعلياً على التحرك المغربي.

يشير مراقبون إلى أن هذا النمط ليس جديداً، ويستحضرون أمثلة سابقة، مثل الإعلان عن فتح معبر بري بين الجزائر وموريتانيا بعد فترة وجيزة من إطلاق المغرب لمبادرته الأطلسية لدول الساحل.

تكرار هذه السيناريوهات – مبادرة مغربية تتبعها خطوة جزائرية مشابهة في الشكل أو مضادة في المضمون ولكنها متقاربة زمنياً – يطرح سؤالاً جوهرياً: هل نحن أمام تنافس إقليمي طبيعي ومحتدم بين قوتين إقليميتين، أم أن الجزائر باتت تنتهج سياسة تقوم بشكل كبير على رد الفعل تجاه خطوات المغرب، إلى درجة يمكن أن توصف بأنها انشغال مفرط بتحركات الرباط ومحاولة دائمة لمحاكاتها أو التصدي لها بشكل فوري؟ الإجابة تظل معقدة، لكن المؤكد أن هذا النمط أصبح سمة بارزة ترسم ملامح العلاقة المتوترة التي تنهجها الجارة الشرقية تجاه المغرب.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.