أعلنت دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الأعضاء في "تجمع دول الساحل"، في خطوة تصعيدية لافتة، عن قرارها المشترك باستدعاء سفرائها المعتمدين لدى الجزائر للتشاور، موجّهة اتهاما مباشرا للجارة الشمالية بإسقاط طائرة مسيّرة تابعة للجيش المالي أواخر مارس الماضي.
ولا تقتصر الأزمة على هذا الاستدعاء الجماعي، بل توازت مع إعلان مالي انسحابها من لجنة رئاسة أركان الجيوش المشتركة مع الجزائر، معتبرةً إسقاط المسيّرة "عملاً عدائياً" بعد تحقيق أجرته.
هذه التطورات، التي تأتي في ظل مناخ متوتر أصلاً، خاصة بين باماكو والجزائر كما أشارت وكالة الصحافة الفرنسية، تمثل أكثر من مجرد حادث حدودي؛ إنها تكشف عن تشققات عميقة في العلاقات الإقليمية وتضع سياسات الجزائر في المنطقة تحت المجهر.
خلفية الحادث والاتهامات المتبادلة:
كانت وزارة الدفاع الجزائرية قد أعلنت مطلع أبريل عن إسقاط مسيّرة استطلاع مسلحة قالت إنها انتهكت مجالها الجوي قرب تين زاوتين الحدودية. في المقابل، ذكر الجيش المالي حينها أن إحدى مسيّراته تحطمت خلال مهمة روتينية. الآن، ومع إعلان نتيجة التحقيق المالي، تحول "التحطم" إلى "عمل عدائي" جزائري، مما نقل الخلاف إلى مستوى دبلوماسي وسياسي أعلى.
تحليل أعمق: ما وراء المسيّرة؟
يرى محللون، مثل الأستاذ خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، أن هذا الحادث وتداعياته يعكسان نمطاً أوسع من السلوك الجزائري في المنطقة. ويعتبر الشيات أن الخطوات الأخيرة لدول الساحل هي رد فعل على ما يصفه بـ"العنجهية الجزائرية" ومحاولتها المستمرة لفرض هيمنتها الإقليمية ورؤيتها السياسية على دول الجوار، بل وعلى القارة ككل.
ويشير الشيات إلى أن الجزائر، بسعيها للعب دور الدولة المهيمنة، ساهمت في خلق توترات ومآسٍ في فضاء كان يفترض أن يكون متكاملاً. ويذكر بتاريخ الجزائر في دعم حركات انفصالية، سواء البوليساريو أو ما يتعلق بطموحاتها تجاه جماعات الأزواد في مالي، كأدوات لخلق "دول قمرية" تابعة لها.
ومن هذا المنظور، لا يُنظر إلى إسقاط المسيّرة المالية كحادث معزول، بل كـ"تدخل سافر" في الشؤون الداخلية لمالي، ومحاولة لتوجيه الصراع لصالح أطراف معينة مدعومة جزائرياً، خاصة وأن المسيّرة كانت، حسب الرواية المالية، تستهدف جماعات توصف بالإرهابية أو مناوئة لباماكو.
رد جماعي ورسالة قوية:
إن الرد المالي لم يأتِ منفرداً، بل جاء جماعياً عبر "تجمع دول الساحل"، مستنداً إلى اتفاق الدفاع المشترك بين الدول الثلاث الذي يعتبر أي هجوم على إحداها هجوماً على الجميع. هذا الرد الجماعي، بحسب الشيات، هو رد "مناسب" وحق سيادي لهذه الدول في رسم سياساتها واستراتيجياتها، ولكنه أيضاً رسالة واضحة للجزائر برفض تدخلاتها ومحاولات الهيمنة.
ويعكس هذا التصعيد حالة "التشردم" والعداء المتزايد الذي يطبع سياسة الجزائر تجاه كل محيطها، بما في ذلك المغرب وليبيا، والآن دول الساحل الثلاث. ويرى الشيات أن هذا النهج العدائي والتوسعي يضرب في العمق أي إمكانية للتعامل البنّاء مع النظام العسكري الجزائري، الذي يصفه بأنه "منبوذ وشاذ ومعرقل"، داعياً إلى تعاون إقليمي لإرجاعه إلى "حجمه الطبيعي" وإنهاء حالة العداء التي يفرضها على المنطقة.