أدرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الصحراء المغربية ضمن المساعدات المالية الممنوحة للمغرب، في قانون ميزانية سنة 2019، الذي وقعه أخيرا، وهو ما يشكل انتكاسة كبيرة لخصوم المملكة.
وفيما نوه المغرب، من خلال بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي بقرار السلطتين التنفيذية والتشريعية الأمريكيتين، اللتين يمثلهما على التوالي الرئيس ومجلسا الكونغرس، أكد خبراء في نزاع الصحراء، على أن هذا القرار سيفشل مخططات الجزائر و"البوليساريو".
وفي هذا السياق، قال الخبير في نزاع الصحراء والشؤون الإفريقية، عبد الفتاح الفاتحي، لـ "بلبريس"، إن التصديق على ميزانية الولايات المتحدة الأمريكية لسنة 2019 والتي تتضمن المساعدات المالية الممنوحة للمغرب بكامل أقاليمه الترابية، هو تأكيد الموقف الأمريكي على نفس النهج دون تغييرات، رغم التخوفات التي أثارها تعيين جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي، الذي يوصف بالرجل الأقرب إلى الأطروحة الانفصالية.
وأضاف، مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية، أنه بعد نقاش أثير في وكالة التنمية الدولية التابعة للولايات الأمريكية للنمو الدولي عن استبعاد الصحراء عن أي عملية، أو مساهمة أو مساعدة، وهو بند ضمن مشروع قرار اقترحته زعيمة الأغلبية الديموقراطية في الكونغرس، نانسي بيلوزي، في يناير الماضي، يجب أن يصادق عليه مجلس الشيوخ والبيت الأبيض، ولا يمكن أن يحل محل قانون .
واعتبر الفاتحي هذا التعاطي الأمريكي المعتاد، جاء عقب إفشال مشروع قانون بالكونغرس الأمريكي ينص على الفصل بين المساعدات الموجهة للمغرب، وتلك الموجهة للصحراء.
ورافق هذا القرار تحركا دبلوماسيا قويا للجزائر، والبوليساريو داخل مجلس الشيوخ الأمريكي لكسب تأييد المؤثرين في زمام السياسة الأمريكية الخارجية.
وأشار المتحدث ذاته، إلى أن فشل إصدار هذا القرار أعاد التأكيد على جودة وعراقة العلاقات المغربية الأمريكية، إذ لا أحد من المسؤولين السياسيين الأمريكيين باستطاعته اعتماد موقف يهدد موقف المغرب في نزاع الصحراء، كما أبرز أن الاعتراف الأمريكي بانتماء الصحراء إلى التراب المغربي، جاء عقب زيارة وفد ديبلوماسي أمريكي إلى مدينة العيون والداخلة إلتقى فيها بممثلي السكان وجمعيات المجتمع المدني، وهو ما يؤشر على أن القناعة الأمريكية بالسيادة المغربية مؤسساتية، وجاءت بناء على مؤشرات تراعي احترام رأي سكان الصحراء المؤيدين للوحدة الوطنية المغربية.
والفاتيحي أوضح أيضا أن أهمية هذا القرار، يأتي بناء على إجماع مختلف السلط الأمريكية التنفيذية والتشريعية الأمريكيتين، ليكتمل هذا الإجماع بتصديق الرئيس الأمريكي دولاند ترامب، وأن في ذلك تأكيد على أن أقاليم الصحراء مرتبطة سياسيا وترابيا وإدارية بالمغرب وهو ما تضمنه الفصل الثالث من الميزانية الأمريكية، والتي قضت باستخدام موارد المساعدة في الصحراء.
وقال:"وهذا ما شكل موقفا أمريكيا مهما، يأتي للتصديق الأوربي على الاتفاق الفلاحي والصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوربي، ويشمل كافة التراب المغرب، وهو ما يعزز الموقف التفاوضي للمملكة في ملف نزاع الصحراء، وما يقابل ذلك من إضعاف لمواقف الخصوم الجزائر وجبهة البوليساريو "، مضيفا أن "هذا التراكم من الاعتراف الوازن، ولأهميته، يزيد من تقوية المقترح المغربي بمنح الصحراء حكما ذاتي في إطار السيادة المغربية، وأكيد أن ذلك سيكون حاضرا خلال المائدة المستديرة الثانية بجنيف لإيجاد تسوية سياسية ".
وفي السياق ذاته، قال لحو صبري، الخبير في الشؤون الصحراوية، إن تصويت البرلمان الأوروبي بأغلبية 415 صوت لصالح تجديد اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الوروبي، وهو ما يحمل دلالة كبيرة، ومعاني غزيرة، تتجلى في كون الاتحاد الأوروبي عمد إلى مراجعة ذاتية، وإلى إجراء تصحيح لقرارات القضاء الأوروبي التي حاولت أن تقيم، وتؤسس لاجتهاد قضائي يميز به في المغرب بين ما هو من الشمال، وما هو من الجنوب، والزعم بأنه لا يجب على الاتحاد الأوروبي أن يمتد في إطار تطبيق الاتفاقيات بينه وبين الاتحاد الأوروبي إلى هذه الجهة، وإلى هذه الأقاليم الجنوبية المغربية.
واعتبر صبري، أن هذه النتيجة، يمكن قراءتها على مستوي الإرادة، التي تصنع القانون، لأن القضاء يعمد على تنفيذ القوانين التي تتوافق عليها الأمم والأمة الأوروبية، وباعتبار أن البرلمان الأوروبي هو نتيجة، وهو معبر عن إرادة الأمة الأوروبية اتجهت ونحت إلى جعل المغرب وحدة غير قابلة للانقسام ولا التجزئة ولا التمييز .
وأكد المتحدث ذاته، أن هذا يتماشى مع موقف وقرار مجلس الأمن الذي اعتمد المقاربة السياسية، وأن العملية السياسية التفاوضية التي تنهجها، ويشرف عليها مجلس الأمن، والأمانة العامة للأمم المتحدة.
"الحو" أبرز أيضا أن الإتحاد الأوروبي، يشوش على هذه العملية ويحاول إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء من خلال محاولة اعتماد مقاربة قانونية، اتضح فيما بعد أن الأمم المتحدة نفسها عجزت عن إتمامها وعن اتيان كل آليات هذه المقاربة، واستبدلتها بالمقاربة السياسية منذ 2007.
وأوضح الخبير في الشؤون الصحراوية أن هذه المراجعة الأوروبية قد تكون نتيجة المفاوضات التي بدأها المبعوث الشخصي للأمين العام المتحدة، وقال في هذا الصدد:" حين كنا نتساءل عن مشاورات هذا المبعوث الشخصي مع الاتحاد الأوروبي ومع الاتحاد الافريقي، وهي الآن تظهر علامات ومؤشرات تلك المشاورات "، وزاد قائلا:" إذ كان يرغب في أن تسير جميع التنظيمات الإقليمية القارية والجهوية في إفريقيا وأوروبا بالتوازي وفي نفس النسق مع العملية التي يشرف عليها ".
وأشار المتحدث ذاته، إلى أن ما أسفر عليه لقاء نواكشوط، هو نفس السياق، كون الاتحاد الإفريقي حاول تشتيث القرار الإفريقي من خلال جعله بين لجنة سياسية متعددة الأطراف، وجعلت الموقف الإفريقي سياسيا، وليس بين موظفي الاتحاد الإفريقي، الذين يستبدون ويتعسفون بالسلطات التي كانوا يتمتعون بها ضد المغرب، وضد وحدته الترابية.
وأضاف الحو أن "الجميع حاليا يدعم العملية السياسية في الاتحاد الأوروبي، أو في إفريقيا، باعتبار أن الدعم الذي تشرف عليه الأمم المتحدة، سيكون بالأفعال لا بالأقوال، إعتبارا للجو، والأرضية القارية التي ستدعم العملية السياسية لنزع كل عمليات التشويش على الأمم المتحدة.
وزاد صبري الحو، أن ما يقال على الاتحاد الأوروبي، يقال أيضا على أمريكا، وهذا ما يبينه عدم استثناء أقاليمنا الجنوبية من لدن الكونغريس الأمريكي، وتوقيع دونالد ترامب على ميزانية 2019، بدد ذلك التخوف الذي كان قد ساد بعد تعيين جون بولتون مستشارا للأمن القومي الأمريكي، وأن امريكا تسير مع أوروبا، وتسير مع إفريقيا، وتسير مع الأمانة العامة للأمم المتحدة في دعمهم للعملية السياسية، كونها الجوهر، وأن تلك التراتبية التي يحاول البوليزاريو والجزائر عبرها انتزاع هذه المقاربة وجهل المقاربة القانونية إلى الأمام قد فشلت وأن الرهان الآن على الحل السياسي الواقعي والعملي.
يشار إلى أن الرئيس الأمريكي أدمج في القانون الذي تمت المصادقة عليه، الصحراء المغربية ضمن المساعدات المالية الممنوحة للمغرب من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، في الشق المتعلق بميزانية وزارة الخارجية.
ويشكل هذا القرار انتصارا للمغرب، وصفعة جديدة للجزائر ولـ "البوليساريو" اللذين كانا يمنيان النفس بأن يفصل القانون الذي تم توقيعه الصحراء عن المغرب.