تنافس صامت ورسائل مشفرة بين أحزاب الأغلبية حول أحقية قيادة "حكومة المونديال’’

في كواليس الائتلاف الحكومي ، تدور رحى منافسة صامتة، يراها البعض معلنة، بين الأحزاب الثلاثة الكبرى المشكلة للأغلبية: التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة (البام)، والاستقلال.

هذا الصراع، الذي يتردد صداه في أروقة السياسة وبين المراقبين، يتجلى في محاولات كل حزب لإلقاء تبعات الأزمات على الآخر، وفي التنافس المحموم على قيادة المرحلة الحاسمة المقبلة التي تتوج بتنظيم المغرب لكأس العالم 2030، وهو ما بات يعرف إعلاميا  بـ "حكومة المونديال".

تجلت إحدى صور هذا الصراع خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، حيث تحول حزب الأصالة والمعاصرة بشكل مفاجئ إلى موقع المنتقد والمعارض لوزير التربية الوطنية، سعد برادة، المنتمي لحزب الأحرار.

هذا التحول، الذي استغربته حتى فرق المعارضة، عكس رغبة "البام" في التمايز عن الحكومة وتحميل مسؤولية المشاكل القطاعية لشريكه في الائتلاف، في خطوة يراها البعض استباقًا للاستحقاقات الانتخابية القادمة.

وفي المقابل، يعكس خطاب نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، في ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، قلقًا متزايدًا بشأن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، مسلطًا الضوء على معاناة الشباب والطبقة المتوسطة.

هذه الانتقادات اللاذعة للوضع الراهن، والتي تتناقض مع الخطاب الحكومي المتفائل، تشير إلى طموح الاستقلال لقيادة المرحلة المقبلة وتقديم نفسه كبديل قادر على معالجة مشاكل المواطنين.

الأحرار، من جهتهم، وعلى الرغم من الانتقادات الشعبية المتزايدة بسبب غلاء الأسعار وتراجع فرص الشغل، لا يخفون طموحهم في تمديد قيادتهم للحكومة لعقد كامل، على غرار تجربة حزب العدالة والتنمية.

تصريحات قيادات الحزب، مثل تلك التي أدلى بها محمد أوجار بشكل مفاجئ حول ارتفاع الأسعار وكأنه معارض، أو تأكيدات راشد الطالبي العلمي قبل أيام ،  على الثقة التي يحظى بها الحزب وإشارة إلى تفرغ عزيز أخنوش لكأس العالم في 2026 ، كلها مؤشرات على استعداد الحزب لخوض معركة الانتخابات المقبلة بكامل قوته.

الأصالة والمعاصرة، الذي عانى من هزات داخلية في الأشهر الأخيرة، يسعى بدوره للتعافي وتجنب أخطاء الماضي. طموح وزيرة الإسكان، والمنسقة الوطنية للحزب، فاطمة الزهراء المنصوري، المعلن باحتلال المرتبة الأولى في الانتخابات المقبلة، يعكس هذا التوجه.

وشددت المنصوري على أهمية الانتخابات القادمة التي ستعتمد على برنامج انتخابي واضح، مشيرة إلى الأوراش المهمة التي اشتغلت عليها الحكومة الحالية.

ويركز الحزب على انتقاد أداء الحكومة التي يقودها الأحرار، محاولًا اقتناص مكان الصدارة من خلال تسليط الضوء على نقاط الضعف والأخطاء. إلا أن التحدي الأكبر الذي يواجهه "البام" يكمن في قدرته على التواصل الفعال مع المواطنين وتقديم نفسه كقوة قادرة على تحقيق إنجازات ملموسة.

أما حزب الاستقلال، العريق بتاريخه وإرثه السياسي، فيتبنى استراتيجية تواصلية جديدة موجهة للشباب، وترتكز على العمق التاريخي وتقديم نفسه كحامٍ لمصالح المواطنين.

خطاب نزار بركة القوي بمناسبة ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال81،  وانتقاده للوضع الراهن، بالإضافة إلى تصريح وزيرة التضامن، نعيمة بن يحيى، بطموح الحزب لقيادة "حكومة المونديال"، كلها دلائل على عزم الاستقلال العودة بقوة إلى واجهة المشهد السياسي.

باختصار، تشهد الساحة السياسية المغربية صراعا محتدما بين الأحزاب الثلاثة الكبرى في الائتلاف الحكومي، كل منها يسعى جاهدا لقيادة المرحلة المقبلة والإشراف على تنظيم كأس العالم 2030.

هذه المنافسة، التي تتراوح بين المناوشات العلنية والتكتيكات الخفية، تطرح تساؤلات حول قدرة هذه الأحزاب على التركيز على حل مشاكل المواطنين، في الوقت الراهن بدلا من الانشغال بالاستعدادات الانتخابية المبكرة.

وحسب المهتمين ، تعتبر السنة الجارية هي آخر سنة تلتزم فيها الاحزاب المشكلة للحكومة بمبادئ ميثاق الشرف الموقع بينها  والمتعلق بالتنسيق في ما بينها، قبل ان يتحول الانسجام بين الاحزاب الاغلبية الحكومية لمنافسات شرسة بينها ، والتي بدأت مؤشراتها تظهر في خرجات قادتها.

اخنوش أمام المجلس الوطني لحزبه ، اعلن عن استراتيجية جديدة سيقدم عليها الحزب قريبا ، وذلك بالعودة الى كل الاقاليم والجهات لتقديم الحساب، والاستماع لمطالب المواطنين قبل نهاية الولاية الحالية للحكومة، بركة في ذكرى تقديم وثيقة الاستقلال انحاز للطبقات المتوسطة والفقيرة منبها الحكومة بمخاطر الفقر والبطالة وغلاء المعيشة على الاستقرار الاجتماعي، المنصوري امام اكثر من 50 دبلوماسي اعلنت طموحها لقيادة حكومة كاس العالم المزمع تنظيمه في  2030.

لكن تبقى الأسئلة الأهم : من سيتمكن من هذه الاحزاب إقناع الناخب المغربي بالعودة إلى صناديق الاقتراع؟ ومن سيتمكن من إعادة الثقة للمواطن في الشأن الحزبي والسياسي، في زمن فقدت فيه جل الأحزاب مصداقيتها؟ كم ستكون نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات المقبلة، التي ستكون من اهم التحديات للدولة وللاحزاب على حد سواء  ومن هو  الحزب الذي سيظفر بشرف قيادة "حكومة المونديال"؟


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

تعليق 1
  1. عبد الهادي يقول

    سلام
    صراحة هذه الحكومة احسن من الحكومات السابقة