يشكل اعتقال خمسة مستشارين جماعيين بمدينة القنيطرة ، ينتمون لأربعة أحزاب سياسية مختلفة، لحظة فارقة في مسار تدبير الشأن المحلي بالمغرب، وتجسيداً لأزمة عميقة في اختيار النخب السياسية وتخليق العمل السياسي.
هذه الواقعة، التي تأتي في سياق يتسم بتزايد العزوف السياسي خاصة في صفوف الشباب، تطرح أسئلة جوهرية حول معايير اختيار المرشحين للمناصب الانتخابية، وآليات تصفية الترشيحات، ومدى نجاعة المنظومة الحزبية في إفراز نخب سياسية قادرة على تحمل المسؤولية وخدمة المصلحة العامة.
ولعل خطورة هذه القضية تكمن في كونها تمس أحزاباً وازنة في المشهد السياسي المغربي، من بينها حزب يقود الأغلبية الحكومية، مما يعمق أزمة الثقة بين المواطنين والمؤسسات السياسية. فالتهم المنسوبة للمعتقلين، والمتعلقة بالاستمالة من أجل تحصيل صوت انتخابي مقابل رشوة والارتشاء والمشاركة .تضرب في العمق مصداقية العمل السياسي ومبدأ التمثيلية الديمقراطية ليس فقط في القنيطرة .
وقد سبق للملك محمد السادس أن نبه في مناسبات عديدة إلى ضرورة تخليق الحياة السياسية وتغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة والحزبية الضيقة. حيث اعتبر في خطاب العرش في 2017 أن ممارسات بعض المسؤولين والمنتخبين تدفع المواطنين، وخاصة الشباب، للعزوف عن المشاركة في العمل السياسي وفقدان الثقة في الطبقة السياسية.
إن هذه الأزمة تستدعي إعادة النظر في منظومة اختيار النخب ، وتفعيل آليات المراقبة والمحاسبة، وتعزيز الشفافية في تدبير الشأن المحلي. كما تتطلب من الأحزاب السياسية مراجعة معايير اختيار مرشحيها، وتكثيف التكوين السياسي لأطرها، وتعزيز القيم الأخلاقية في العمل السياسي.
فالرهان اليوم لم يعد مقتصراً على معالجة واقعة معزولة، بل يتعلق بإعادة الاعتبار للعمل السياسي كفضاء لخدمة المصلحة العامة، واستعادة ثقة المواطنين في المؤسسات المنتخبة، وضمان انخراط الأجيال الجديدة في تدبير الشأن العام.