أثارت الصور المنشورة في الجزائر بمناسبة الذكرى السبعين لثورة 1 نونبر اهتماماً خاصاً بسبب ما كشفته من رسائل دبلوماسية مشفرة، خاصة في موقف الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني.
فقد جمع اللقاء الخماسي كلاً من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، والتونسي قيس سعيد، والموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد يونس المنفي، وزعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي.
وبعيداً عن كون هذا التجمع ليس الأول من نوعه في غياب المغرب، فقد سبق للرئيس التونسي قيس سعيّد مع نظيريه الجزائري والليبي عقد اجتماع ثلاثي تشاوري في ابريل بدون المغرب وموريتانيا " من أجل بلورة تكتل مغاربي جديد’’.
وبغض النظر عن الرسائل التي تسعى الجزائر لإيصالها، يبرز الموقف الموريتاني كعنصر لافت للتحليل، خاصة في إطار سياسة "الحياد الإيجابي" التي تنتهجها نواكشوط منذ عقود.
ويكشف التحليل البروتوكولي للصور التي رصدتها بلبريس، عن حرص واضح من جانب الرئيس الموريتاني على اتخاذ مسافة محسوبة من زعيم البوليساريو. فقد اختار موقعاً على يسار الرئيس الجزائري، تاركاً مسافة تنظيمية تفصل بينه وبين إبراهيم غالي، حيث توسط الرئيسان الجزائري والتونسي بينهما في جميع الصور الملتقطة.
ولم يكن هذا السلوك البروتوكولي الأول من نوعه، إذ سبق للرئيس الموريتاني أن اتخذ موقفاً مماثلاً خلال حفل تنصيبه رئيساً، في خطوة تعكس حرصه على عدم ترك مجال لتأويل مواقفه أو تفسير مشاركته في نفس المناسبات.
ورغم أن موريتانيا تعترف رسمياً بجبهة البوليساريو منذ عام 1984، وهو ما تسبب في توترات متكررة مع المغرب، إلا أن هذا الاعتراف ظل محدوداً ولم يرق إلى مستوى التمثيل الدبلوماسي الكامل أو فتح سفارة، رغم استقبال نواكشوط لقياديي الجبهة من حين لآخر.
وتحرص موريتانيا في كل مناسبة على تأكيد موقفها المحايد من نزاع الصحراء، مع الحفاظ على مسافة متساوية من جميع الأطراف. لكنها في نفس الوقت تتبنى أسلوباً دبلوماسياً دقيقاً يعتمد على إرسال رسائل مباشرة وأحياناً مشفرة لمختلف الأطراف.
ويبقى السؤال المطروح: هل سيأتي اليوم الذي تعلن فيه موريتانيا موقفاً صريحاً تجاه مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية، خاصة في ظل تزايد الدعم الدولي لهذا الحل، أم ستواصل نهجها الدبلوماسي القائم على إرسال الرسائل المتوازنة لجميع الأطراف؟