قالوا عن استقبال السيدة الأولى للإليزيه للأميرات واتصال ماكرون بالملك محمد السادس
بعد فترة طويلة من التوتر والقطيعة . بدات العلاقات المغربية الفرنسية تعرف نوعا من الدفء ، تجلت في استقبال زوجة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بريجيت ماكرون، لأخوات الملك محمد السادس، يوم الاثنين الماضي بقصر الإليزيه ، والاتصال الذي خص به الرئيس الفرنسي ماكرون للعاهل المغربي.
جاء استقبال زوجة الرئيس ليمثل مؤشرًا جديدًا على رغبة البلدين في طي صفحة سوء الفهم، خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية الفرنسي الجديد ستيفان سيجورنيه، التي تعهد فيها ببذل "قصارى جهده في الأسابيع والأشهر المقبلة للتقريب بين فرنسا والمغرب".
خبراء ومحللون سياسيون اعتبروا أن استقبال بريجيت ماكرون للأميرات "هذه المبادرات تسعى لتذويب الخلافات بين البلدين "، في حين يبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن هذه الخطوات من إعادة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها؟ أم أن التوترات ستبقى قائمة؟
محمد شقير: الرئاسة الفرنسية تسعى إلى تذويب الخلافات بين البلدين
تعليقا على استقبال الإليزيه الأميرات أكد الباحث السياسي محمد شقير أن الرئاسة الفرنسية تسعى إلى تذويب الخلافات بين البلدين التي شالها توتر حاد خلال السنوات الأخيرة.
وأضاف المتحدث: أنه وبعد المكالمات الهاتفية للرئيس الفرنسي وتصريحاته بشأن الرغبة في تجاوز هذه الخلافات وعقد لقاء على مستوى القمة التي يتم التهييء لها من خلال تعيين سفير كلا البلدين٬ وتصريحات السفير الفرنسي الأخيرة بشأن ضرورة استئناف العلاقات الدبلوماسية على أسس جديدة ووفق الشروط التي حددها المغرب والتي من أهمها الخروج من المنطقة الرمادية التي سبق العاهل المغربي أن ركز عليها في تعامل المغرب مع شركاءه الاوربيين تم بتعليمات ملكية قبول الاميرات اخوات الملك الثلاثة استضافتها من طرف زوجة الرئيس الفرنسي بعدما سبق أن استقبلهن الرئيس قبل ذلك مما يعكس خلق الأرضية السياسية المناسبة لعقد لقاء مرتقب بين الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي بعدما رفض الملك اللقاء بماكرون خلال زياراته الخاصة لفرنسا.
وذكر شقير أن الانفراج السياسي بين البلدين قد يتم من خلال دبلوماسية بتاء التأنيث ليس فقط من خلال استضافة الاميرات بل أيضا من خلال تعيين سفيرة مغربية بباريس لأول مرة في تاريخ العلاقات بين البلدين حيث يمكن ان تكون هذه السفىرة بخبرتها التواصلية وقربها من دوائر القرار بالقصر قد مهدت وحضرت لترتيب هذه الاستضافة وعقد مأدبة الغذاء التي أعلن عن تنظيمها من طرف وسائل الإعلام الفرنسية والمغربية من طرف بريجيت ماكرون زوجة الرئيس الفرنسي على شرف الاميرات الثلاثة أخوات الملك محمد السادس
محمد بنطلحة الدكالي: الرغبة في علاقات أفضل وأقوى وأوضح تظل هي الهدف المنشود
قال محمد بنطلحة الدكالي، أستاذ علم السياسة والسياسات العمومية بجامعة القاضي عياض، "نعم، ثمة درس نتعلمه من هذه الأزمات، وهو أن الرغبة في علاقات أفضل وأقوى وأوضح تظل هي الهدف المنشود، ولحسن حظنا ثمة عبارة حكيمة قالها فرانسوا هولاند أثناء زيارته الأخيرة للرباط في معرض تعليقه على علاقات بلاده مع المملكة المغربية؛ إن تلك العلاقات «يجب أن تتحسن بالعمل على تجاوز سوء الفهم وتخطي هذه المرحلة الصعبة»".
واعتبر الدكالي أنه ما قام به الإليزيه "بداية تجاوز سوء الفهم دشنته زيارة الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي للمغرب وتقديم كتابه الجديد واعترافه بمغربية الصحراء. إننا نعتبر ذلك نوعا من الدبلوماسية الناعمة، والتي لن تغفل عنها أنظار الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون، كما يوضح بيير ريمون، الباحث في جامعة ليل الفرنسية لبعض وسائل الإعلام الدولية".
كما سجل "تعيين سميرة سيطايل سفيرة للمغرب بباريس، بعد أن ظل المنصب شاغرا لبضعة أشهر، واستقبال ملك البلاد للسفير الفرنسي في الرباط كريستوف لوكورتييه، حيث قدم أوراق اعتماده بعد تعيينه قبل عام تقريبا.هذا السفير الفرنسي، الذي صرح في محاضرة حول آفاق العلاقات بين المغرب وفرنسا، نُظّمت مؤخرا بكلية الحقوق عين الشق بالدار البيضاء، بأنه سيكون من «الوهم وعدم الاحترام الاعتقاد بأنه بإمكاننا بناء مستقبل مشترك مع المغرب دون توضيح موقف فرنسا من مسألة الصحراء المغربية»".
وأكد الدكالي أن "قصر الإليزيه يعي جيدا أن المغرب حليف تقليدي، ولا يمكن التفريط في علاقات جيدة معه، وهذا ما أعلنه مؤخرا وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورني، وهو بالمناسبة كان من المتسببين الأساسيين في الأزمة التي طرأت بين المغرب وفرنسا بالبرلمان الأوروبي".
وأشار إلى أن "الوزير سيجورني أكد كذلك، في حواره المشترك مع وسائل إعلام غربية، أنه يتحرك بناء على تعليمات من الرئيس إيمانويل ماكرون الذي طلب منه الاستثمار في العلاقات المغربية-الفرنسية".
بداية فصل جديد في العلاقات المغربية الفرنسية، يضيف الحبير السياسي، من شأنه أن يتصالح مع التاريخ والجغرافيا الحقيقيين ليكون انتصارا للمصالح العليا بين البلدين، هاته المصالح وكما تعلمنا على أيدي علماء الجيوبوليتيك، والكثير منهم فرنسيون، أنها لا تستقيم إلا على خطين متوازيين.
حسن بلوان: هذه المؤشرات جاءت بعد استنفاد السياسة الخارجية الماكرونية جميع أوراقها
أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، حسن بلوان،أكد أن هذه المؤشرات المشجعة على عودة العلاقات المغربية الفرنسية والتي توالت في الفترة الأخيرة الفارطة، جاءت بعد استنفاد السياسة الخارجية الماكرونية جميع أوراقها دون تحقيق نتائج إيجابية في الفضاء الإقليمي والقاري.
ولفت بلوان، إلى أنه وبعد زيارة وفد فرنسي رفيع الى الأقاليم الجنوبية وتوالي التصريحات الفرنسية بضرورة إعادة الدفء للعلاقات مع المغرب كحليف استراتيجي وتاريخي موثوق ويتمتع بمصداقية داخل الفضاء المتوسطي والعربي والإفريقي استقبلت السيدة الأولى في الاليزيه، الاميرات للا مريم وللا أسماء وللا حسناء لحضور مأدبة غذاء في إشارة رمزية لعمق العلاقات الأخوية التاريخية بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية.
وذكر بأن هذا الاستقبال في الإليزيه يأتي بعيد تصريح قوي للسفير الفرنسي في المغرب الذي أكد بالدار البيضاء على أن فرنسا لا يمكن ان تمضي قدما في العلاقات مع المغرب دون موقف قوي حول قضية الصحراء المغربية، مبرزا أن الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون اعترف بعدم صوابية قرار التأشيرات.
وسجل أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أنه “مهما تقدمت التصريحات والزيارات الفرنسية على مستويات عدة فهناك اقتناع من النخب الفرنسية الحاكمة وكذلك الدولة العميقة بأن مسار العلاقات مع المملكة المغربية في عهد ماكرون كان خاطئا، وقد أضر بالمصالح الفرنسية ليس فقط على المستوى المغاربي ولكن على مستوى العمق الافريقي”.
وبحسب المتحدث، وبالرغم من أن فرنسا تبنت مواقف متوازنة دائما في القضية الوطنية الأولى، خاصة على مستوى مجلس الامن، “إلا أن الرباط يتوقع من باريس أن تتخذ موقفا حاسما وبارزا في الملف على غرار المواقف المتقدمة الألمانية والإسبانية والأمريكية وباقي الدول الاوربية على اعتبار ان قضية الصحراء هي النظارة التي تنظر بها المملكة المغربية لعلاقاتها مع العالم الخارجي كما جاء في الخطاب الملكي”.
ويرى المحلل السياسي، أن تواتر التصريحات الفرنسية يلمح لقرب عودة العلاقات بين البلدين لسابق عهدها، والتي “ستعرف انفراجة قوية يواكبها موقف واضح لقصر الاليزيه من قضية الصحراء المغربية، مما سيفتح الباب لتنسيق الرؤى والمواقف حول مجموعة من القضايا الدولية والقارية ذات الاهتمام المشترك”.
بوبكر اونغير: العلاقات ستشهد يقيناً تطوراً مهماً سينعكس إيجاباً على البلدين
ويرى الباحث في تاريخ العلاقات الدولية بوبكر أونغير، أن الرباط بصدد التأسيس لعودة الدفء إلى العلاقات المغربية الفرنسية بعد التقاطه عدة إشارات إيجابية من طرف السلطات الفرنسية، أولاها قرار فرنسا بدعم المغرب غير المشروط في مجلس الأمن الدولي، رغم الضغوط الجزائرية الهائلة التي فرضت على قصر الإليزيه.
وقال، إن "الدولة العميقة الفرنسية كما عادتها استحضرت مصالح فرنسا الاستراتيجية، وكان تصريح السفير الفرنسي الأخير، الذي يعتبر إلى حد كبير نوعاً من النقد الذاتي الفرنسي لسياسات خاطئة سابقاً حول التعامل مع المغرب".
واعتبر أن قرار استقبال الأميرات المغربيات بالإليزيه "يأتي ليتوّج التوجه الجديد لعودة المياه إلى مجاريها في العلاقة بين البلدين"، متوقعاً أن "تشهد العلاقات يقيناً تطوراً مهماً سينعكس إيجاباً على البلدين في تحسين قضايا المهاجرين وتسهيل التأشيرات، وكذا التعاون الأمني والتقني، خاصة أن المغرب كان ولا يزال حريصاً جداً على أمن منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط واستقرارها، نظراً إلى الجهود الكبيرة التي يقوم بها لمحاربة ظواهر الإرهاب والتطرف وانتشار المخدرات وغيرها من القضايا التي تؤثر على السلم والأمن الأوروبي".
ولفت أونغير إلى أن عودة العلاقات "لن تؤثر بتاتاً في تحالفات المغرب الاستراتيجية وتبني المملكة لديبلوماسية متوازنة مبنية على تعدد الشركاء الدوليين والاحترام الواجب للجميع، في إطار مقاربة رابح رابح التي تنهجها الرباط في العلاقات الدولية".