النظام الجزائري يضع غازه وطاقته وخيرات بلاده أمام فرنسا شرط عزل المغرب اوروبيا

لاحظ المهتمون بالعلاقات المغربية الفرنسية بأنها تمر بحالة فتور حادة منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية ،وإنتخاب ماكرون لولاية ثانية في سياق فرنسي صعب إقتصاديا وإجتماعيا، وسياق دولي مضطرب سياسيا،

وبالإضافة إلى الأزمة الصامتة بين فرنسا والمغرب، فإن البلد الأوروبي يعيش وضعا داخليا مشحونا نتيجة مجموعة من المظاهرات والإضرابات القوية كان قد نظمها فرنسييون الخميس الماضي، إحتجاجاً على الوضع الإجتماعي والإقتصادي الذي تمر منه فرنسا في عهد الرئيس الحالي ماكرون، بسبب أزمة الطاقة التي أفرزت إرتفاعا مدهشا في مستويات التضخم، فشلت الحكومة الفرنسية الحالية في الحد من تأثيراتها على الطبقات ذات الدخل المحدود.

ويرى خبراء فرنسيون في الإقتصاد، أن الوضع الإقتصادي بفرنسا على حافة الإنهيار، خصوصا في ظل تزايد إرتفاع فاتورة الطاقة، في الوقت الذي تبدو فيه حكومة ماكرون أنها عاجزة عن إيجاد الحلول للحد من تاثير هذه الأزمة على الفرنسيين الذين لم يعودوا يتحملون هذا الوضع .

بالمقابل، يسابق الرئيس الفرنسي ماكرون، وحكومته الفاقدة للأغلبية البرلمانية، الزمن لتمرير قانون رفع سن التقاعد وتغيير نظام المعاشات، وهي القرارات التي تواجهها النقابات بالرفض التام، مهددة ماكرون وحكومته بإضراب ومظاهرات صاخبة في الأسابيع المقبلة قبل دخول فصل الشتاء.

 

الشارع الفرنسي بين الإضرابات والمظاهرات وتشبت الحكومة بمواقفها
تواجه حكومة ماكرون هذه الأيام موجة من الاضراب والمظاهرات تقودها اكبر النقابات الفرنسية، وكل الطبقات المتضررة من هذه الازمة، مطالبة هذه الحكومة بتحمل مسؤوليتها اتجاه حماية القدرة الشرائية عند أكثر الطبقات الفرنسية.

وامام تعنت الحكومة الفرنسية قرر الشارع الفرنسي  الإستمرار في الإضرابات والمظاهرات في ظل تجاهل حكومة ماكرون مطالب النقابات والطبقات الفقيرة التي تحمل شعار نعم للرفع من الأجور وليس الرفع من سن التقاعد.

شتاء بارد وشارع ساخن وحكومة تائهة

من المنتظر أن يعرف فصل الشتاء بفرنسا هذه السنة حرارة إستثنائية على مستوى الشارع الذي يطالب الحكومة بالتدخل السريع قبل حلول هذا الفصل في سياق صعب متميز بثقل إرتفاع مستويات التضخم، الناتجة عن الأزمة الطاقية التي تعرفها البلاد.

وحسب “المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الإقتصادية” الفرنسي، فإن البلاد عرفت شهر شتنبر من هذه السنة نسبة 5.6% من التضخم، إنعكست على فواتير الغذاء بارتفاع قدره 9.9% خلال شهر واحد، وعلى المواد الغذائية بـ11%، في وقت تعرف فيه فواتير الكهرباء غلاء تضاعفت خلال السنة الجارية بـ700% عن نظيراتها خلال السنوات الماضية.

مقابل هذه الأوضاع يصر ماكرون وحكومته على الدفع بتطبيق قانون إصلاح نظام المعاشات التقاعدية، والذي بموجبه سيجري رفع سن التقاعد إلى 65 سنة، هكذا أعلنت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن لوكالة الصحافة الفرنسية، عقب اجتماع مساء الأربعاء في قصر الإليزيه مع الأغلبية، أن الحكومة أقرّت ذلك القانون “قبل نهاية الشتاء” في حين يرفضه 70% من الفرنسيين .

الأزمة الإقتصادية الخانقة بفرنسا ترغم ماكرون أن يتحول لرئيس براغماتي

أزمة الطاقة بالعالم وتأثيرها على الإقتصاد الفرنسي، وتأزم العلاقات الجزائرية الإسبانية بعد الإعتراف الإسباني بالسيادة المغربية على صحراءه، أرغمت الرئيس الفرنسي أن يبحث عن المال على حساب المبادئ وفي هذا السياق يجب وضع زيارة ماكرون للجزائر لاعتقاده بأن هذه الزيارة قد تصلح مسار الغاز الجزائري الذي ضيّعته إسبانيا، محاولا إستدراك ما فات فرنسا وسبق إليه الألمان والإيطاليون والروس والصين وتركيا في الجزائر، كما قال أحد الإقتصاديين.

زيارة ماكرون للجزائر هي البحث عن خريف وشتاء فرنسيين دافئين

أكدت عدة مصادر أن العامل الإقتصادي هو من حدد معالم زيارة الرئيس الفرنسي إيمانوال ماكرون للجزائر، بمعنى أن “البزنس” والبحث عن المزيد من الغاز وصفقات جديدة في قطاع الطاقة الجزائري هو الهدف الرئيسي خصوصا بعد دخول شركات عالمية كبرى السوق الجزاذري من أهمها “إيني” الإيطالية و”أوكسيدنتال” الأمريكية.

وحسب مواقع جزائرية ومنها الشروق فقد جاء في إحدى إفتتاحيتها “ترتبط زيارة ماكرون بالنفط والطاقة وأيضا حل الملفات العالقة المتعلقة بقطاع تركيب السيارات، حيث لا يزال الغموض يلف مصير مصنع رونو بوهران وتاريخ إعادة بعث الإنتاج رغم الشراكة المعلنة مؤخرا مع مجمّع “مدار”، وأيضا مصنع “بيجو” الذي لم ير النور”.

وتابعت الإفتتاحية أن “الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يبحث في زيارته للجزائر عن أوراق رابحة للفرنسيين، في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية والطاقوية التي تعيشها باريس، والإتحاد الأوروبي ككل الذي أثبت أنه مجرّد تجمع دولي هش وغير قادر على مواجهة الأزمات، حيث تسعى اليوم فرنسا إلى إسترجاع حصص سوقية رابحة، بعد أن شهدت مكانتها مؤخرا تقلّصا ملحوظا في الجزائر”.

وفي سياق ذي صلة، يرى الخبير الاقتصادي كمال ديب في تصريح لـ”الشروق” أن “العلاقات الجزائرية الفرنسية تشهد موجات مد وجزر إنطلاقا من سنة 2019، وهو تاريخ الحراك الشعبي، الذي كان بمثابة إيذان لنهاية الوصاية الفرنسية على الإقتصاد الجزائري، وشهدت المرحلة الإنتقالية التي إمتدت بين 22 فيفري و12 ديسمبر 2019 تدهورا في الشراكة بسبب مساعي فرنسا وقتها للتدخل في أمور داخلية”.

وسقط قناع هذه الوصاية بشكل أكبر بعد انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون نهاية عام 2019، حيث توترت العلاقات سياسيا بين البلدين وانعكس ذلك على الجانب الاقتصادي، كما غيّرت الجزائر بوصلتها نحو الأسواق والشركاء الروس والصينيين والأتراك والإيطاليين، وتحوّل هؤلاء لمنافس إقتصادي شرس للشريك التقليدي فرنسا، يقول ديب.

ويُصنّف الخبير الإقتصادي زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ضمن رحلة البحث عن ملاذ إقتصادي آمن لفرنسا التي تجابه ضائقة شح الطاقة في خضم الحرب الروسية الأوكرانية والأزمة الإقتصادية الأوروبية الناتجة عن التضخّم الجامح الذي يجتاح منطقة الأورو وتدهور مكانة الرئيس ماكرون لصالح اليمين الفرنسي هناك، فانتقلت باريس من مرحلة “الجزائر الشريك المضمون” الذي تساومه بأوراق حقوق الإنسان، وحرية التعبير، إلى محاولة البحث عن إستمالته لاسترجاع حصصها الضائعة من السوق الجزائرية في السنوات الماضية.

وتسعى فرنسا بالدرجة الأولى للحصول على حصة أكبر من الغاز الجزائري لضمان خريف وشتاء دافئين، وأيضا لإعادة التموقع بعد إستحواذ الصين على مشروع غار جبيلات وميناء الحمدانية وإيطاليا على صفقات غازية مهمة وتركيا التي تم رفع عدد الرحلات الجوية بينها وبين الجزائر إلى 23 رحلة أسبوعيا، فأصبحت اليوم فرنسا ملزمة بترميم علاقاتها مع الجزائر ولو عبر تنازلات سياسية تضر العلاقات المغربية الفرنسية التاريخية.

النظام الجزائري يضع كل خيرات بلاده تحت إمرة كل دولة تعاكس المغرب

الانتصارات الدبلوماسية التي حققها المغرب بأروبا وأمريكا في قضية الصحراء المغربية زادت من رفع سقف حقد وكراهية النظام الجزائري على المغرب وعلى مؤسساته، خصوصا بعد القرار التاريخي لإسبانيا حول مغربية الصحراء، قرار دفع النظام الجزائري تعليق  معاهدة الصداقة كرد فعل على قرار حكومة بيدرو سانشيز بدعم خطة الحكم الذاتي المغربية لإقليم الصحراء، وأوقفت الجمعية المهنية للبنوك والكيانات المالية (ABEF) جميع المعاملات مع إسبانيا.

وبعد ذلك قام النظام الجزائري بضغوطات إقتصادية هامة على إسبانيا، وحينما فشل في إقناع إسبانيا تغيير موقفها من مغربية الصحراء راح  للتفاوض والمقايضة مع الدول الأوروبية على شرط واحد هو أن الغاز والطاقة والإقتصاد الجزائري وخيرات كلها هي تحت امرأتكم مقابل عزل المغرب أوروبيا .

لكن مقابل ضخامة  هذا الكرم الجزائري رفضت كل الدول الأروبية المس بعلاقاتها مع المغرب باستثناء فرنسا، التي تحولت لدولة مارقة وماكرة مع الجزائر ضد حليف تاريخي لها هو المغرب.

لكن ما يجهله النظام الجزائري هو أن سلطة المال والاقتصاد والمصالح الضيقة لن يغير من منطق جغرافية وتاريخية مغربية الصحراء، وعلى فرنسا وكل ما يدور في فلك الجزائر الاقتناع  بأن قضية الصحراء المغربية هي قضية وجود وليس قضية حدود بالنسبة للمغرب ، لانها كما قال جلالة الملك،  في الخطاب  الذي وجهه مساء اليوم السبت إلى الأمة بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب، “أوجه رسالة واضحة للجميع : إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”.

 

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *