نظرا للإحتقان الشعبي في جميع دول العالم العربي نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية والفكرية، عاد هشام العلوي، إبن عم الملك محمد السادس، ليعالج في آخر مقال له نشره على مجلة "لوموند دلبوماتيك" الفرنسية، آفاق ثورات الربيع العربي.
وإستعرض هشام العلوي الباحث في جامعة هارفارد في مقاله التحليلي المعنون بـ "الإنتصار الهش للثورات العربية المضادة" أسباب فشل الثورات العربية، وأن الثورة المضادة إنتصار هش محصور زمنيا محتملا عودة الإحتجاجات مستقبلا.
كما سلط الباحث الضوء على مميزات الوضع السياسي -الإجتماعي العام في العالم العربي المتسم بالركود والعياء الذي أصاب الشعوب جراء التضحيات الجسيمة والمعاناة ثم إنهيار النخب السياسية والفكرية التي لم تعد تقوم بالدور المنوط بها كقائدة للتغير، وذلك كله جراء العنف الممارس من طرف الدولة.
وإستنادا لإحدى الأنظمة العربية التي إنبثقت منها ثورة الربيع العربي، قال العلوي: "يبدو أن إغلاق المؤسسات بقيادة الرئيس التونسي قيس سعيد قد أغلق بشكل رمزي الأقواس الديمقراطية التي بدأت في المغرب العربي والمشرق في عام 2011. ولكن هل هذا الإغلاق نهائي؟ بدون عقيدة أيديولوجية واضحة ومشاريع اقتصادية قابلة للحياة ، ستعاني الأنظمة الإستبدادية في العالم العربي عاجلاً أم آجلاً من احتجاجات ضخمة جديدة.”
وأكد العلوي في مقاله أنه بعد أكثر من عقد من الإنتفاضة الشعبية في عام 2011، تعيش المجتعات العربية حالة من اللامبالاة والتعب الناتج عن موجة متواصلة من الضغوط المضادة للثورة. مشيرا إلى أن" الناس العاديون منهكون: لم تعد أي أيديولوجية جديرة بهذا الإسم تسقي الجسم الإجتماعي بعد الآن، وأولئك الذين ما زالوا يرغبون في التعبئة يواجهون القمع الذي لا هوادة فيه. ومن ناحية أخرى ، فإن النخب السياسية منهكة لدرجة أنها لم تعد تبذل أي جهد لإقناع الجماهير أن مستقبلًا أفضل أو أكثر ازدهارًا ينتظرهم. لذلك فهم يديرون إمتيازاتهم مع الحفاظ على الوضع الراهن".
وقال الباحث، إن "هاتان الديناميكيتان إجتمعتا لإبعاد غالبية السكان عن السياسة، جزء لم يعد يتصور خلاصه إلا في الهجرة، لكن أولئك الذين يبقون في البلاد لن يظلوا ساكنين في السنوات القادمة"، ولفت أن حجم الأزمات الإجتماعية والإقتصادية الناشئة يبشر بالخير لموجة جديدة من السخط الشعبي.
وفي غضون ذلك، يضيف العلوي، أن "القصور الذاتي الحالي ينبع من عدة عوامل، الأول هو خيبة أمل مريرة من الديموقراطية نفسها"، وأعطى مثالا بتونس بصفتها الحالة الأكثر رمزية، وقال "كانت رائدة في الربيع العربي عام 2011، وقاومت لفترة طويلة الإنحدار الديموقراطية الذي أعقبها، ومع ذلك، إذا نجح الإنقلاب المؤسسي الذي قرره الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو 2021، فلن يقتصر الأمر على أن مؤسسات ما بعد الثورة وضعها دستور 2014 قد أثبتت أنها هشة بشكل غير عادي فحسب، بل أيضا أن عدد السكان قد نما، تعبت من الفساد المستشري والألعاب السياسية".
وأضاف أن "سلطوية سعيد القيصرية إستفادت من خيبة أمل النشطاء من الديموقراطية، وهو دليل على أن النظام السياسي القائم على التعددية والشمول يمكن أن يعاني من تراجع وحشي، كما ساهمت التطورات السياسية الأخيرة في الغرب في خيبة الأمل الديموقراطية في العالم العربي".
ويعود السبب الثاني لنكوص مشروع الديموقراطية في بلدان الربيع العربي حسب العلوي، إلى فشل "الإسلام السياسي" موضحا ذلك بـ "أن الحركات الإسلامية التي فازت قبل عشر سنوات في عديد من الإنتخابات لم تعد تمثل بديلا ذا مصداقية، سواء تعلق الأمر بحركة "النهضة" التونسية أو "الإخوان المسلمون" في مصر أو حزب "العدالة والتنمية" في المغرب، فإنها قد شاخت وفقدت صلتها بجموع الشباب حين نعلم أن تلثي سكان البلاد العربية هم في عمر أقل من ثلاثين عاما، فضلا عن المشروع الإقتصادي لهؤلاء يبدو أقرب إلى النموذج الليبرالي البعيد عن مقتضيات العدالة الإجتماعية، كما أن هذه الأحزاب كثيرا ما بحثت عن مختلف الأعذار لتبرير فشلها في الحكم متجنبة نقدها الذاتي ومفضله الإشارة إلى مناورات "الدولة العميقة" ضدها".
ويذهب العلوي في السبب الثالث إلى "الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي"، حيث أشار إلى أنه "تعد مجالا يحتكره الشباب الطامحون في التغيير والباحثون عن فضاء بعيد عن رقابة السلطة لأن هذه الأخيرة لم تعد تعتمد قطع الوصول إلى الفضاء وإنما إغراقه بحضورها وبتتبع نشطائه والتضييق عليهم وإختراق مواقعهم والسعي الدائم إلى إرباكهم".
أما السبب الرابع وراء السخط والجموع السياسيين أن المجتمع المدني العربي أصبح هو نفسه أكثر كسرا وقابلية للإختراق بحيث أن الأمور لم تقف عن حد أن أغلبية الأنظمة إستطاعت أن تخرس النقابات والجمعيات المهنية بل إن المنظمات غير الحكومية سقطت هي الأخرى في فخ مراعاة الأهداف قصيرة المدى على حساب التغييرات الأكثر عمقا، وفق ما ذكره الكاتب.
ويبقى السبب الخامس أن عددا من الدول العربية قد فوضت جزءا من صلاحياتها إلى ميليشيات تقاتل على الأرض كما حصل في لبنان والعراق وليبيا وسوريا.
ويستخلص كيف نجحت الثورات المضادة التي قادتها أنظمة معينة لإغتيال حلم الديمقراطية، ولكنه يشدد على أنه إنتصار مؤقت وهش لأن هذه الثورات المضادة تفتقد لركيزة إديولوجية تستند إليها، ثم غياب رجل قوي يشكل رمزا لها تلتف حوله هذه الثورات.
وأمام هذا النقص أو نقطة الضعف، لجأت الأنظمة المضادة إلى الرهان على المشاريع الرنانة والضخمة لإبهار الشعوب وكأنها تحقق تقدما عظيما. ويبرز الكاتب أنها مجرد مشاريع ذات صبغة إدارية لا تستقيم وتطلبات التقدم الحقيقي وليست بالمشاريع النابعة من تطور طبيعي للمجتمع.
ويكشف الكاتب أن كل المؤشرات تشير الى عودة الربيع العربي في حلة جديدة بعيدا عن خطاب الجمعيات الحقوقية الغربية أو الإستناد الى الإنترنت بشكل كبير وإنما عبر تحالف بين الطبقة المسحوقة والطبقة المتوسطة التي ارتهنت الى الأنظمة الحاكمة بحثا عن إمتيازات إقتصادية لن تدوم لأنها هشة.
ويدافع الأمير في كتاباته ومحاضراته عن إستمرار الربيع العربي وإن شهد في السنوات الحالية خفوتا بسبب القمع الشديد، ويستند الى أن الربيع العربي هو حركة وعي عميق للجيل الحالي وسيتوارثه الجيل المقبل.