فنون التواصل السياسي: تحليل ظهور أمينة ماء العينين في برنامج "مع الرمضاني"

محمد الشنتوف*

" لا يمر أي خطاب مرور الكرام كما كان في السابق، ولم تعد السياسة ذلك الخطاب الحماسي الذي يشحذ الهمم، ويسكن شرارات الحمم، بل أصبحت مهنة وتخصصا، إنها حرفة تفرض على ممتهنها شروطا تكوينية إلزامية من أجل ممارسة ناجحة وناجعة، شأنها في ذلك شأن جميع الحرف والتخصصات الأخرى" عبد الناصر فتح الله، صفقوا لخطبة الزعيم، الاتصال السياسي في المغرب.الطبعة الأولى 2002 ص5

أطلت القيادية بحزب العدالة والتنمية وعضو المجلس الوطني للحزب والنائبة البرلمانية " أمينة ماء العينين"، على الرأي العام المغربي، في برنامج "مع الرمضاني" الذي يديره الإعلامي رضوان الرمضاني على القناة الثانية، مساء الأحد 3 يناير 2020، فأي قراءات وتحليلات لظهورها من بوابة "فنون التواصل السياسي ؟!، سؤال سنحاول الإجابة عنه في العدد الأول من هذه السلسلة المتخصصة على جريدتكم "بلبريس".

1- فن لغة الجسد:

الابتسامة:

تخطفك مند الوهلة الأولى "الابتسامة العريضة"، التي أطلت بها ضيفة "مع الرمضاني"، وهي إشارة تواصلية غير مباشرة بين أي مرسل ومتلقي مفترضين، تعطي نقط قوة لصالح المرسل، في سياق لحظات بداية إرسال أي خطاب، وخاصة من نوع "الخطابات الإعلامية، التي يفترض ان يوجهها السياسيون للرأي العام" عبر وسائل الإعلام، خاصة في البرامج الحوارية المتلفزة من نوع برامج "مع الرمضاني".

تناسق اللباس:

نظرا للمرجعية الحزبية للضيفة، "رغم نفيها لضرورة ارتباط المظهر بالمرجعية في سياق الحوار"، فإن لباسها كان ذو مرجعية محافظة، مع التأكيد على تناسق وأناقة تفاصيله، معتمدة على اللونين الأسود والأزرق المائل للبنفسجي، والأزرق إلى جانب الأسود يعطيان للشخصية السياسية خصوصا والشخصيات "القيادية عموما" كاريزما تثير الانتباه"، قبل المرور للحديث، فعين المشاهد العادي  تهتم بطريقة واعية وغير واعية بمثل هذه التفاصيل، والمتخصصون في علم النفس السياسي و التواصل السياسي او اللذين درسوا هذا العلم عادة ما ينصحون بتنسيق الألوان والاعتماد على اللونين الأسود والأبيض أو الأزرق في اللقاءات الرسمية، مثلما يظهر في الكثير من لقاءات السياسيين عبر العالم، خاصة في فترة الانتخابات.

 استقامة الجسد وحركاته:

قبل المرور للخطاب، هناك لغة خطابية غير مباشرة، من أهمها، لغة استقامة الجسد وحركاته، وفي هذا اللقاء نجحت الضيفة بشكل دقيق في التحكم بحركات جسدها بشكل عام، وجلوسها بشكل مستقيم، مرفوعة الرأس، فاردة ظهرها، وباسطة دراعيها وكتفيها، وكل هذه التفاصيل، خدمت ظهورها من هذه الناحية

حركة الوجه:

دائما مع حركات الجسد، وتدقيقا في حركة الوجه، بداية بالابتسامة العريضة، كانت تجيد اللعب بحركات وجهها، فتجيب بلغة جسدها ببرود " يسبق الخطاب" على أسئلة يفترض أنها مستفزة، تعلق مثلا على تدبير حزبها لولايتيه الحكوميتين بثقة وابتسامة ورضى، ولا تظهر نرفزة في مواقف محرجة باستثناء واحدة ارتبطت بسؤال طرحه  المستضيف حول رأيها في كلام أفتاتي، زميلها القيادي في الحزب، حيث أكدت لغة حركات الوجه عدم قبولها أو اتفاقها مع طرح السؤال من جهة ومع زميلها من جهة أخرى قبل ان تعبر عنه خطابيا، مع ربط حركات الوجه بحركات اليد التي ذهبت في نفس السياق.

حركة اليدين:

تستعمل أمينة ماء العينين لغة إشارة "يدوية" غير مباشرة مصاحبة لجل خطاباتها، وتركز جيدا في استعمالها لإشارات اليد، بل وتترجم في الكثير من الحالات ما تقوله بحركات اليد، لكنها باستثناء "لقطة الحديث عن أفتاتي" التي خانتها تعبيرات يدها مع أنها كانت متناسقة في الوقت ذاته مع الوضعية " الاستفزازية " التي وضعها فيها "الصحافي المحاور"، وكان الجسد مع الخطاب معا يعبران عن رفضها لإدراج ما له علاقة بزميلها في الحزب في حوارها، ومن الطبيعي أن حركات اليد عندما لا تكون مناسبة للخطاب أو متناسقة مع لغة الجسد، فإنها تشكل عنصرا مشوشا عليها ومزعجا للمتلقي، ولهذا ينصح دائما التركيز مع حركات اليد أثناء القيام بخطاب ما.

*ملاحظة جانبية: بسبب بعض زوايا التصوير في البرنامج، لم نتمكن من التدقيق في ملاحظة الكثير من تفاعلات اليد مع الخطاب، لأن اليد كانت مخفية، وربما جاز لمخرج الحلقة الانتباه لهذا الأمر.

2- الصوت:

على غير عادة الكثير من السياسيين اللذين يربطون بين "الصراخ" والإقناع أو التعبير عن فكرة ما،  امتازت النبرة الصوتية بالهدوء التام طيلة فترات الحوار مع بعض التغييرات الطفيفة، وقد كانت مقامات صوتها تتدحرج بين مجموعة من التلوينات، بداية باللون "العاطفي" الهادئ جدا، ارتباطا بحديثها عن دور الأم "القيادية" في التوفيق بين المهام المهنية والمهام الأسرية، ثم استقرت على اللون "الجدي" في بداية الحوار إلى منتصفه، قبل أن يحدث تغيير طفيف في تلوينها الصوتي حيث دخلت في سياق اللون "الصارخ العصبي" ، الذي يرفع فيه المرسل صوته عادة، وتفاعلت معه حركات جسدها كاملة بطريقة أتوماتيكية، سواء على مستوى الوجه أو اليدين، وسرعان ما عادت مرة أخرى إلى التلوين الهادئ لنبرة صوتها مع كثير من التركيز، دون أن نتجاهل بعض الفواصل الصوتية التي كانت تحاول تلوينها باللون الصوتي "المرح" مع تفاعل جسدها مع كل لون على حدى، باستثناء لحظات الختام التي كان خطابها يؤكد على أنها مستعدة لتكون أمينة عامة للحزب، لكن لغة جسدها كانت تبدي نوعا من التردد، سواء في حركات الوجه أو الجسد كاملا، وحتى تلوين صوتها، امتزج " بالتردد بالخوف بالمرح وبالتواضع مع القليل من الجرأة والثقة " وهي تلوينات تعبر عندما تجتمع في سياق واحد عن نوع من الخوف أو التردد أو عدم الثقة أو التواضع أو عدم تبيين النية الحقيقة وتمويه المتلقي"، وتعبر أيضا عن الرغبة في استدراج المتلقي لاختيار ما يطلبه المرسل في تلك اللحظة أو الموافقة عليه.

3- فن إدارة الحوار، مؤشرات القوة/الضعف:

 التواصل الجيد/السيئ:

في إطار ضوابط التواصل عموما، بين مرسل ومتلقي مفترض: كان تواصل أمينة ماء العينين جيدا.

الاستماع الجيد/المقاطعة:

هناك مسافة فاصلة بين طرح السؤال وتقديم الجواب، وهي مسافة الاستماع، تلك المسافة التي يشتغل فيه عقل المتلقي جيدا ليرسل "ردة فعل " مناسبة على الرسالة المرسلة إليه من المرسل، وبناء على ذلك، يتبين إجمالا أن أمينة ماء العينين كانت مستمعة جيدة.

القوة/الضعف في الرد:

تمتاز البرامج الحوارية المتلفزة مع الفاعليين السياسيين بطرح مجموعة من الأسئلة المستفزة، والتي يكون هدفها عادة استفزاز الضيف، ومن المعروف على الاعلامي رضوان الرمضاني إجادته لطرح هذا النوع من الأسئلة، لكن ردود أمينة ماء العينين كانت قوية.

فن التعامل مع المواقف والأسئلة المباشرة:

في أي حوار اعلامي/سياسي، تكون هناك محطات يضع فيها الصحافي ضيفه في مواقف محرجة، أو مستفزة ، وفي هذه اللحظات إما أن يمتلك السياسي زمام الأمور ويستغل  هاته المواقف لصالحه، أو يحدث العكس، وبنسبة كبيرة استطاعت أمينة ماء العينين استغلال مختلف الأسئلة لصالحها أو لصالح حزبها بناء على مجموعة من المؤشرات، كما أنها عملت على تمرير مجموعة من الرسائل بطريقة غير مباشرة،  ويمكن جرد أهم هذه المواقف التي تطلبت تعاملا خاصا من الضيفة ووضحت هذه المؤشرات فيما يلي:

1 من الهامش إلى المركز: أشارت أن أبناء المركز يسهل عليهم الوصول لمناصب القرار دون ضرورة المرور من مسار تراكمي مثل الذي يبنيه أبناء الهامش عادة.

2 الـتأريخ للمسار السياسي: من باب تأكيدها لمسارها السياسي، وبالنظر لأهمية هذه النقطة في " الظهور النضالي القوي لأي سياسي أو مناضل عموما"  حاولت الربط بين مجموعة من المؤشرات التي تؤكد مرورها من مراحل تراكمية حتى وصولها للمشاركة في أول انتخابات سنة 1997.

3 الحوادث في السياسة والنخب السياسية: " أكدت أن المسار السياسي المتميز بالنسبة لها هو الذي يمر من حوادث سياسية، وأن المسارات السياسية الهادئة البعيدة عن الوقوع في المشاكل لا يدخل في إطار صناعة النخب السياسية.

4 تغيير القبعة السياسية: أكدت أن قناعاتها السياسية لم تتغير، لكن مع التغيرات والتجارب، اكتسبت خبرة، وإمكانية نقد البنية التي تنتمي لها، مبررة نقدها "الناعم" للحزب بنضجها وفهمها لبعض الأمور التي لم تكن على دراية بها، مشيرة إلى أن حزب العدالة والتنمية في حاجة إلى أصوات جديدة، ونقاش جديد لقيادة المرحلة القادمة.

5 بين النظري والممارسة في الحزب: قالت أن هناك هوة بينهما، نظرا لعدم وجود نقاش فكري وحقيقي في وقت الرخاء، لتجنب مزيد من الصدمات، مؤكدة مرة أخرى أن هناك إشكالية نخب، وإشكالية أجيال، واصفة أن إعادة صناعة النخب تمر بشكل بطيء.

6 أبرز إنجاز وأبرز إخفاق للحزب: لم تتحدث هنا عن الإنجازات المرتبطة بالسياسات العمومية وتأثيرها المباشر على المواطن، بل استمرت في نقدها الناعم وتسويقها الإيجابي الغير مباشر للحزب، حيث أكدت أنه استطاع أن يمنح المغرب حزب حقيقي، مع انتقاد البنية الحزبية في المغرب، واصفة التفريط في حزب مثل حزب العدالة والتنمية بالمؤسف، لكنه يحتاج إلى تجديد الرؤية، مثلما تحتاج الدولة إلى توضيح الرؤية على حد تعبيرها، وهي رسائل مبطنة ونقد ناعم يتمثل في نقد هياكل الحزب، مع التسويق أنه الحزب الأفضل حاضرا ومستقبلا مع ضرب باقي الّأحزاب بالابتسامة العريضة.

7 الاستحقاقات الانتخابية: تأكيدا لنهجها الخطابي، أكدت أن ما حصل عليه الحزب مستحق، لكنه يفتقد للتجربة، وأكدت مرة أخرى أن هناك هوة في الانتقال من النظرية للممارسة، وفقدان الحزب لمن يناقش في ظل انتقال هياكل الحزب للتدبير الحكومي، مؤكدة أن هناك من استحلى المناصب الحكومية ونسي واجبه الحزبي.
8 استئناف العلاقات ببين المغرب وإسرائيل وموقف الحزب
: التأكيد على واجب القدرة على التحليل في هذا الموضوع، وربطت هذه المسألة بالإجماع المغربي بكل المكونات على الوحدة الوطنية، ثم ربطت مواقف الحزب بالمرجعية الحزبية المنتمية للحركة الإسلامية، مشيرة إلى ضرورة بناء الخطاب على الاقناع، ولا يمكن بناء العلاقة مع اسرائيل بناء على تضييع حقوق الشعب الفلسطيني، وقامت بتصدير موقف غير مباشر حول منع المظاهرة الرافضة للتطبيع في الرباط، دون توضيح صريح لموقفها الشخصي أو إدانة موقف الحزب أو الدولة من قضية التطبيع، مع الإشارة إلى أن هناك ضعف تواصلي داخل الحزب حال دون توضيح موقف الحزب على المستوى الداخلي لمناضليه، خاصة أن "التطبيع مع إسرائيل" كان بالأمس القريب من الخطوط الحمراء.

9 إمكانية كونها رئيسة للحكومة: أكدت هنا أنها لا تجيب على "الفرضيات" بل تستند على الوقائع في بناء خطابها، ولن يكون صدفة أن تقدم جوابا كهذا على هذا السؤال.

الحاجة للعدالة للتنمية: أعادت إنتاج نفس الخطاب الذي يؤكد على أن هناك أزمة في هشاشة الواقع الحزبي، فالنقاش مثلا على الانتخابات يدور حول القاسم الانتخابي بدل نقاش المضامين، مؤكدة أن البديل الذي سيغطي حزب العدالة والتنمية غير موجود، مع التأكيد مرة أخرى على ضرورة إجراء نقاش حول هذا الموضوع.

10 الحجاب ومرجعية الحزب: أشارت إلى أن هناك الكثير من العضوات داخل الحزب لا يرتدين الحجاب، والحزب إذا أراد تمثيل المغاربة فعليه استقطاب جميع فئاته بمختلف ألوانهم.

11 طموحات قيادية وموضوع المرأة القيادية: أكدت أنها مستعدة لقيادة الحزب، رابطة الموضوع مبدئيا بقدوم عهد الأمينات العامات، وأن المرأة قادمة لتقود الأحزاب السياسية.

12 اكتساح نون النسوة في التعليم: أشارت إلى ترجيح كفة الاستحقاق في هذه المسألة، وأن المغرب حقق ما سمته بعدم وجود التمييز في سياق نفس الفكرة السابقة، مؤكدة في الوقت ذاته أن الفتيات أكثر جدية من الذكور بناء على تجربتها الشخصية وتجربة الأسر المغربية مع الأبناء.

13 سد سيدي مومن وموضوع الماء: رغم عدم معرفتها لمكان السد المتواجد في منطقتها، حاولت عدم إظهار ذلك، وأشارت في سياق الحديث عن الحلول المقدمة لمشكل الماء في المنطقة إلى وجود محطة تصفية في منطقة سوس، مشيرة إلى أن المغرب مرتبط بنزول المطر للأسف، مع ضرورة ترشيد سلوك المواطنين.

14 المرجعية الثقافية والفنية: أرسلت رسائل غير مباشرة حول علاقة العرب بالأمازيغ، بناء على أصولها التي تجمع بينهما، مدافعة عن فكرة الغنى الثقافي الذي تمتاز به الثقافة المغربية العرقية، إضافة إلى تأكيدها على روعة الموروث الفني الأمازيغي الذي تستمتع به.

4-فن المراوغة والديبلوماسية الخطابية:

كما توضح أعلاه فإنها ارتبطت بخط تحريري خطابي محدد كيف ما كانت أسئلة الصحافي المستضيف، وركزت في محطات عديدة من خطابها على :

  • المزج بين النقد الناعم للحزب الذي تنتمي له والتسويق له في نفس الوقت وانتقاد بل وتبخيس باقي الأحزاب بطريقة "ناعمة كذلك".
  • التأكيد على قوتها الخطابية ونضجها السياسي في محطات عديدة من الحوار
  • الهروب من الإفصاح عن المواقف الواضحة تجاه الأشخاص "باستثناء افتاتي" أو القضايا الحساسة.

5- فن البناء الخطابي التفاعلي:

استعملت الضيفة مجموعة من المفاهيم والمترابطات:

"رهانات سياسية"، "الحس النقدي"، "النضج السياسي"، "بناء المواقف"، "نقد البنية"، "فهم البنية"، "تقييم المرحلة" "الخطاب الطوباوي" "الخطاب الحالم" ". الخطاب الديني " الخطاب السياسي" "اشكالية نخب"، "اشكالية أجيال"، "عملية التنخيب"، "الخطوط الحمراء".

ومجموعة من الجمل المبنية على أسس وروابط محبوكة:

" الثقل في اتخاد المواقف" الحزب ليس فيه أي اشكال، يحتاج فقط لوقفة تقييم حقيقية..." "... نحتاج نقاش فكري وسياسي عميق"..." الهوة ما بين النظري والممارسة في الحزب" "عدم وجود نقاش فكري في وقت الرخاء"...''عدم وجود التمييز بين الرجل والمرأة " " الحزب للجميع" ...."التدبير السياسي الحكومي أثر على للتدبير الفكري الحزبي".... حزبنا أعطى للمغرب حزبا حقيقيا على مستوى التنظيم"... "لا يوجب الكثير من حزب العدالة والتنمية"... "هناك مصداقية الأعضاء والرغبة في افادة الوطن.."... "المغاربة أعطوا الحزب اكثر من توقعاته لكنه يستحق مكانته الانتخابية" "هناك هشاشة الأحزاب السياسية"... "ليس هناك مضامين سياسية وعروض سياسة للذهاب الى الانتخابات." "المغرب لا زال بحاجة للعدالة والتنمية"، "ليس هناك بديل لحزب العدالة والتنمية. " "هل الحزب جاهز للولاية الثالثة : نحتاج نقاش داخلي. ؟ بأي عرض بأية مضمون بأية نقاش؟."  "الحجاب ليس ضروري. في الحزب"

6-التسويق السياسي: 

كل هذه المفاهيم والجمل المتقطعة تذهب بنا مباشرة إلى خلاصة مفادها: أنها تهدف من خلال هذا الحوار إلى التسويق لنفسها داخل وخارج الحزب، والتسويق للحزب في حملة انتخابية سابقة لأوانها، وإذا قلنا أنها نجحت في ذلك، فهذا يعني أنها ضبطت إيقاع بعض فنون التواصل السياسي، وفيما سيأتي سنرى إيقاعات أخرى.

7- فن الخطابة: ودرجة الاقناع

اعتمدت في خطابها على مجموعة من الأساليب الخطابية، والجمل التعبيرية الدقيقة، والمفاهيم، ونسجت معجما من القاموس السياسي والثقافي فالعلمي زد على ذلك قاموس التجربتين الخاصة والعامة كما وضحنا أعلاه، وبناء على ذلك، فإن لديها مستوى جيد في التمكن من فن الخطابة.

8- فن المناظرة:

إذا تحدثنا عن ربط الأسباب بالنتائج، وترتيب الأفكار، والدفاع عنها، وضبط الوقت في التعبير عن أفكارها، وطريقة تفاعلها مع المحاور، فإنها ناظرت بشكل جيد في المواضيع التي طرحت عليها، وبأسلوب يمزج بين التبسيط والرقي في استعمال المفاهيم والجمل كما وضحنا أعلاه.

9-تحليل الخطاب وتقديم الخلاصلات:

تميز الخطاب الذي قدمته أمينة ماء العينين بالثقة والقوة، وبالرغبة الغير مباشرة والمباشرة في تقوية علاقتها بالحزب الذي تنتمي إليه من جهة، وتقوية علاقته بالرأي العام من جهة أخرى، وتقوية علاقتها بالمواطن من جهة ثالثة مطبقة أحد أهم قواعد التواصل الناجح التي تقول أن " رجل أو سيدة التواصل الناجح(ة) هو الذي يضرب عصافير تواصلية متعددة بفعل تواصلي واحد" استعارة من المثل المعروف، خلاصة تم توضيحها أعلاه وهي واضحة المعالم من خلال مؤشرات عديدة اهمها :

1- الاعتماد على النقد الناعم جدا للحزب مع مقاربة إصلاحية تعتمد النقاش الفكري السياسي كأحد جواهره ومقوماته.

2- تلميع مواقفه وطريقة تسييره للمرحلتين الحكومتين والتسويق المثالي لأعضائه، ثم التسويق الامثل له بين الاحزاب الاخرى بطريقة لبقة وناعمة مرة أخرى.

3- التعامل بديبلوماسية مع المواقف الحساسة التي يمكن ان لا يقبلها الرأي العام المغربي من جهة والجهات المسؤولة في الدولة من جهة أخرى.

4-  الظهور بقوة تواصلية و"كاريزما قيادية"، والانتصار على الذات والاستفادة من الأخطاء التواصلية التي وقعت فيها سابقا أو التي وقع ولا زال يقع فيها بعض زملائها في الحزب أو السياسة وهم كثر، وإتقان فن استغلال المواقف داخل الحوار بمختلف اشكالها لصالح الذات، أهمها على المستوى الشخصي" تسويقها الحزبي كأمينة عامة قادمة وربطها بقضية حساسة لدى الحركات النسائية" ترتبط بالتواجد القيادي للمرأة في الشأن العام، ورفض التميز بين المرأة والرجل، ثم ربط "الحجاب والحزب" بالتمثيل الحزبي لجميع فئات المجتمع، ثم ختمتها بمسك خطابي ربطت فيه "الامازيغ بالعرب الصحراويين" في إشارة منها للإرث الثقافي المتنوع داخل المغرب وبمحاولة غير مباشرة لإلغاء فكرة الصراع بين الاعراق الثقافية في المغرب.

5- النجاح في الإدارة التواصلية لحوار صحفي يفترض فيه استفزاز الضيفة وإخراجها عن ما تم ذكره من نقاط قوة، وهذه النقطة بالذات يحتاج الكثير من الفاعلون السياسيون إلى تكوين سياسي فيها وجاز "لأمينة ماء العينين" أن تقدم درسا في التواصل السياسي في البرامج التلفزيونية الحوارية، ولرضوان الرمضاني أن يقدم طبقا حواريا إعلاميا جدير بالمتابعة في شق "التواصل السياسي الناجح".

10-أسئلة  تفاعلية: 

وإذا كان خروجها موفقا فجاز لنا أن نطرح السؤالين التاليين على أمينة ماء العينين : إلى أي حد وفقنا في هذا التحليل وقول ما لم ترد قوله، ووضع ما تقوله في سياقه ؟ وهل يمكن أن نعتبر نجاحها التواصلي في هذه الحلقة بالضبط نجاحا بالصدفة أو بناء تراكمي للتجربة والممارسة أو أن هناك فريق تواصلي خاص تستشير معه النائبة البرلمانية قبل أي خروج إعلامي من هذا القبيل؟

 

وصلنا وإياكم إلى ختام هذا العدد الأول من سلسلة "فنون التواصل السياسي" التي سنحاول في كل عدد منها قراءة والتفصيل في قراءة الخروج الإعلامي لمجموعة من الفاعلين السياسيين بحيادية وتجرد، دون إصدار أحكام، بناء على تخصص علمي قد نصيب من خلاله وقد نخطأ، ويبقى للمتخصصين والقراء كلمتهم التي لا بد لها أن تغني النقاش وتفيده .

*صحافي/متخصص في التواصل والتواصل السياسي والمؤسساتي والرقمي/ باحث في التواصل والاعلام.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.