استبقت دولة الإمارات الدول العربية الأخرى عندما افتتحت الأربعاء قنصلية لها في مدينة العيون بالصحراء المغربية في خطوة من المتوقع أن تعزز العلاقات بين أبوظبي والرباط وكذلك تدعم جهود المغرب في تكريس سيادته على الأقاليم الجنوبية والصحراء التي أعد لها نظام حكم ذاتي كحل للخلاف الذي تغذيه جبهة البوليساريو بدعم من الجزائر.
ومن المرجح أيضا أن تزيد هذه القنصلية الجديدة، التي يأتي افتتاحها في سياق دبلوماسية القنصليات التي ينتهجها المغرب، من متانة العلاقات المغربية الإماراتية. ووصف وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، افتتاح دولة الإمارات العربية المتحدة لقنصلية عامة لها في مدينة العيون، برسالة لها دلالات سياسية وقانونية، في هذا السياق حاورت بلبريس د. عتيق السعيد الباحث الأكاديمي و المحلل السياسي حول دلالات افتتاح الإمارات و مجموعة من القنصليات بالأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية
1. السياق العام
بداية افتتاح مجموعة من القنصليات بالأقاليم الجنوبية للمملكة يعد بكل تأكيد و واقعية انتصارا للديبلوماسية المغربية الناجعة، التي انتقلت من مرحلة تحصين المكتسبات بخصوص القضية الوطنية، إلى مرحلة فرض واقع جديد، قوامه اعتراف دولي متزايد بمشروعية مبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي ومستدام لهذا النزاع المفتعل.
هذه الخطوة تندرج في إطار الدينامية القوية التي تعرفها قضية الصحراء المغربية، والتي تجسدت خلال الاسابيع الاخيرة بتفاعل دولي أكد دعم المجتمع الدولي الكامل والصريح لمغربية الصحراء ومبادرة الحكم الذاتي التي اقترحتها المملكة.
اليوم و في وقت قياسي له دلالاته من حيث عدد القنصليات بلغ بالأقاليم الجنوبية للمملكة ما مجموعه 16 قنصلية، 9 منها بالعيون و 7 بالداخلة، و بالتالي أصبحت كل مناطق القارة الإفريقية ممثلة بالصحراء المغربية من خلال ست دول من غرب القارة، وخمس من وسطها، إضافة إلى ثلاث دول من جنوب القارة الأفريقية ودولة من شرق إفريقيا
هدا الطلب المتزايد من بلدان إفريقية بغية فتح قنصليات تابعة لها بالأقاليم الجنوبية للمملكة، وفق القوانين المنظمة والمؤطرة للعلاقات القنصلية، يجسد إيمان هذه الدول الشقيقة بأن الصحراء المغربية تتوفر على جميع المؤهلات الضرورية لتكون قطبا للتنمية وبوابة نحو القارة السمراء، وبالتالي فهي تترجم نظرة تلك الدول للصحراء المغربية كمصدر إشعاع ونقطة ارتكاز للمملكة المغربية في القارة التي تنتمي إليها، وكشهادة منها على دعمها الواقعي والصريح للوحدة الترابية للمملكة، وإقرار منها بما تعرفه الأقاليم الجنوبية من مميزات الأمن و الاستقرار في سياق إقليمي مضطرب
المملكة المغربية تتفاعل بشكل قانوني مع الطلبات المقدمة لها من طرف العديد من الدول الشقيقة الرامية لافتتاح قنصلياتها بالأقاليم الجنوبية، كما انها تبرهن بشكل ملموس مع كل خطوة افتتاح للقنصليات تنفيذها للوعود التي قطعتها للقارة بعد العودة للاتحاد الإفريقي
2. ارتباطا بالاطار القانوني
مبادرة افتتاح القنصليات بالأقاليم الجنوبية تستند قانونيا للمعايير والممارسات الديبلوماسية طبقا لاتفاقية فيينا حول العلاقات القنصلية لسنة 1963، التي تواكب أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بسيادة المساواة بين الدول وصيانة السلم والأمن الدوليين، ونمو العلاقات الودية بين الأمم، لاسيما المادة 2 و 4، حيث تنص المادة الثانية من الاتفاقية بشكل واضح و صريح على أن إنشاء العلاقات القنصلية تتم بين الدول بالاتفاق المتبادل بينها، كما تدعم هذا الإجراء المادة 4 من نفس الاتفاقية، التي تعد تجسيدا قانونيا لسيادة المغرب على أراضيه وفقا لما هو متعارف عليه في القانون الدولي.
كما ان هاته الخطوات الديبلوماسية تساهم في استدامة الأهداف المشتركة القائمة على إنعاش النشاطات الاقتصادية، وتوطيد العلاقات التجارية وتنميتها وتطويرها، حيث إن المغرب تبنى مند 2011 تفعيل الجهوية المتقدمة القائمة في فلسفتها على الانتقال المستدام إلى نظام اللاتمركز الإداري كنظام تدبيري وتنظيمي لتنمية المجال الترابي. و بالتالي فخطوة افتتاح القنصليات في الجهات الترابية للمملكة ينسجم مع هذا التوجه، الذي قدم هندسته جلالة الملك محمد السادس بتصور فعال ومستدام للمقاربة التنموية الشاملة للتراب الوطني.
3. ثمار و اهداف هاته المبادرات و دلالات افتتاح الإمارات لقنصلية بمدينة العيون
هاته المبادرات تساهم في تجويد وتمتين السياسة الافريقية للمملكة، التي تبلورت في ظل الرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس، والتي عززت مكانة المملكة كفاعل أساسي ومحوري في عملية التنمية بدول القارة السمراء، كما تجسد بشكل فعال وناجع في أزيد من 1629 اتفاق تعاون ما بين سنة 2000 و العام الماضي مع عدد من الدول الإفريقية، وبأكثر من خمسين زيارة أجراها جلالة الملك إلى بلدان القارة، مكنت من إرساء تحالفات استراتيجية على مختلف المستويات، وبناء أسس تعاون أعمق مع مختلف البلدان الإفريقية.
المملكة المغربية نجحت من خلال ديبلوماسيتها الحكيمة في الترويج للنموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية للمملكة على الصعيد الدولي، يدفع بالعديد من الدول إلى اتخاذ قرار افتتاح قنصليات عامة سواء بمدينتي العيون أو الداخلة، و دولة الإمارات العربية الشقيقة تعد اليوم من أول الدول العربية التي سارت في هدا التوجه و أكيد سنشهد عما قريب دول عربية أخرى تخطو نفس المبادرة
المغرب و الإمارات العربية يجمعهم تنسيق مشترك سواء في القضايا الدولية أو الإقليمية، كما من افتتاح قنصليتها بمدينة العيون من شأنه أن يفتح لرجال الأعمال الاستثمار في المجالات الاقتصادية التي تمتاز بها هاته المدينة المغربية، أيضا تواجد أبوظبي في هذا الإقليم المغربي، هو دفعة كبيرة في مستوى العلاقات بين البلدين، في سبيل الارتقاء بها إلى مستوى أكبر، و تترجم هاته المبادرة موقف الإمارات ثابت في الوقف مع المغرب في قضاياه العادلة في المحافل الإقليمية والدولية لما للبلدين من علاقات متينة تاريخية راسخة و شراكة استراتيجية تقوم على أعلى المستويات
المملكة المغربية تسعى بشكل جاد و قوي لحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية وفقا للمبادئ الدولية، وتعزيز وضعية حقوق الإنسان، والمساهمة في النهوض بتنمية الصحراء المغربية بوابة افريقيا على القارة الاوروبية، وكلها عوامل تدفع بالدول الصديقة للمملكة في اتجاه اتخاذ قرار تعزيز الحضور الدبلوماسي في الصحراء المغربية، وقطع جميع الروابط مع الأوهام الانفصالية