في تطور مثير يكشف عن ممارسات وصفت بالتقصير الخطير وربما التواطؤ، تفجّرت فضيحة مالية بمدينة الدار البيضاء كادت أن تكلّف الجماعة المحلية ما يفوق 10 ملايير سنتيم من ميزانيتها، بسبب نزاع عقاري استُخدمت فيه معطيات مشكوك فيها. وتدخل عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، على خط القضية، في خطوة قد تفتح الباب أمام مساءلات إدارية وربما قضائية.
وبحسب ما أوردته جريدة “الصباح”، فإن القضية تعود إلى فبراير 2018، حينما رفع ممثل قانوني لشركة متخصصة في التفاوض والائتمان دعوى قضائية أمام المحكمة الإدارية، يطالب فيها بتعويض مالي عن وضع اليد على أراضٍ قال إنها تابعة لشركته، مدعّمًا طلبه بشهادات ملكية وخبرة قضائية قُدّرت على إثرها قيمة العقارات، الواقعة بمنطقة “عين الذئاب”، في حدود أربعة هكتارات ونصف، بثمن السوق آنذاك.
وأوضحت الصحيفة ذاتها أن الحكم الابتدائي صدر لصالح المدّعي، الذي يشغل في الآن ذاته منصب نائب رئيس مدير عام لأحد البنوك التي دخلت البورصة سنة 2023، حيث قضت المحكمة بتعويض قدره 3000 درهم للمتر المربع. وعند عرض القضية على محكمة الاستئناف بالرباط، أمرت هذه الأخيرة بإجراء خبرة مضادة استجابة لطلب الجماعة، غير أن هذه الأخيرة لم تتفاعل بالسرعة المطلوبة، مما أدى إلى تأييد الحكم الابتدائي.
وفي تحرك لاحق، كشف المجلس الجماعي الحالي للبيضاء، عبر طعن بإعادة النظر، عن معطيات جديدة تعتبر حاسمة في الملف، من بينها وثائق لم تُعرض من قبل، توضح طبيعة الأراضي التي جرى الادعاء بشأنها. وأشارت جريدة “الصباح” إلى وجود عقد بيع مؤرخ في 2017، يثبت أن تلك الأراضي ليست سوى بقايا تجزئة قديمة وطرق مخصصة للتهيئة، ولا تُعتبر صالحة للبناء. وبلغ سعر بيعها الأصلي 48 مليون سنتيم فقط، بحسب العقد المحرر أمام موثق وباللغة الفرنسية، والذي يبيّن أن الشركة المالكة الأصلية تعود لمغاربة يهود.
المثير للانتباه، حسب المصدر ذاته، أن الدعوى القضائية رُفعت في فبراير 2018، أي بعد أشهر فقط من إبرام عقد البيع، ما يثير شكوكا قوية حول نية صاحب الدعوى في تضخيم قيمة العقارات وتضليل المحكمة.
وأكدت “الصباح” أن الملف يسلّط الضوء على تقنيات محتملة لتبديد المال العام، ويفتح النقاش حول إهمال إداري خطير، خاصة أن الجماعة كان بإمكانها منذ بداية النزاع أن تدحض الادعاءات، عبر وثائق تعمير صادرة عن الوكالة الحضرية، تُظهر أن الأراضي المعنية ليست ذات قيمة استثمارية حقيقية، بل يجب أن تُنقل ملكيتها تلقائيا إلى الجماعة، باعتبارها مرافق للتهيئة.
وتُطرح الآن علامات استفهام كبيرة حول أداء بعض الموظفين والمسؤولين المعنيين بمتابعة هذا النوع من الملفات، ودورهم في تقديم الوثائق والمعلومات الدقيقة لمحامي الجماعة، ما يجعل الملف مرشحًا للتوسّع إلى مساءلات تأديبية أو حتى تحقيقات أوسع.