مع اقتراب العدّ التنازلي لانتخابات 2026، رسخت سنة 2025 نفسها كسنة سياسية بامتياز، انتقلت فيها الأحزاب المغربية من منطق التدبير اليومي إلى منطق الاستعداد الانتخابي المكثف.
فقد أصبح واضحا أن كل التحركات، سواء داخل الحكومة أو في صفوف المعارضة، لم تكن معزولة عن أفق 2026، بل شكلت مقدمات لبناء سرديات انتخابية متنافسة في سياق اجتماعي واقتصادي دقيق، وبيئة إقليمية ودولية ضاغطة.
التجمع الوطني للأحرار: رهان الاستمرارية عبر الحصيلة
تصدر حزب التجمع الوطني للأحرار واجهة المشهد السياسي خلال 2025 باعتباره قائد الأغلبية الحكومية، وجعل من تسويق الحصيلة الحكومية محور تحركه السياسي والتنظيمي.
فقد أطلق الحزب جولة وطنية واسعة، استهدفت مختلف جهات المملكة، ركزت على التواصل المباشر مع المواطنين وتقديم أرقام ومؤشرات اعتبرها دليلاً على “نجاعة الاختيارات الحكومية”.
وسلط الحزب الضوء على تعميم الدعم الاجتماعي المباشر لفائدة ملايين الأسر، وتحسن المؤشرات الاقتصادية من حيث النمو والتحكم في التضخم وتقليص العجز، إضافة إلى مشاريع استراتيجية كتحلية مياه البحر والتنمية بالأقاليم الجنوبية.
هذا الخطاب القائم على الأرقام والنتائج عزز موقع الحزب كقوة تسعى إلى تجديد الثقة الانتخابية على أساس الاستمرارية، لكنه في المقابل وضعه في مواجهة انتقادات ترى أن المؤشرات الكلية لا تعكس دائماً الإحساس الاجتماعي اليومي للفئات الهشة.
ومع نهاية السنة، انتقل الحزب من مرحلة الدفاع عن الحصيلة إلى مرحلة التعبئة السياسية الصريحة استعدادا لمعركة 2026.
وعن الجولة وتقييمها عبر المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، عن اعتزازه بالنجاح اللافت الذي حققته الجولة التواصلية “مسار الإنجازات”، معتبراً إياها محطة أساسية في تكريس خيار الحزب القائم على القرب والتفاعل المباشر مع المواطنين.
وأوضح بلاغ للمكتب السياسي أن الجولة التواصلية التي اختتمت يوم السبت 20 دجنبر 2025، بجهة طنجة–تطوان–الحسيمة، بعد أن شملت مختلف جهات المملكة الاثنتي عشرة، وسجلت حضوراً ميدانياً وازناً وتواصلاً مكثفاً مع المواطنين، لاسيما عبر لقاءات “نقاش الأحرار” التي نُظمت بـ77 جماعة ترابية، بما يعكس بوضوح التزام الحزب بنهج الإنصات وتحمل المسؤولية السياسية.
وشدد المكتب السياسي على عزم الحزب مواصلة وتعزيز هذه الدينامية التواصلية خلال المرحلة المقبلة، انسجاماً مع التوجيهات الملكية السامية الواردة في خطاب افتتاح السنة التشريعية الأخيرة، الداعية إلى إرساء ثقافة تواصل جاد وفعال مع المواطنات والمواطنين.
وأكد البلاغ أن حزب التجمع الوطني للأحرار، من موقعه كقوة سياسية ميدانية فاعلة، سيواصل الاضطلاع بأدواره كاملة، والانخراط المسؤول في دعم التنمية الترابية ومواجهة التحديات الوطنية الكبرى، مع جعل خدمة المواطن في صلب أولوياته.
وعلى الصعيد التنظيمي، وفي أفق انعقاد دورة المجلس الوطني للحزب يوم 10 يناير 2026 بالمقر المركزي بالرباط، ووفقاً لمقتضيات النظام الأساسي، استعرض المكتب السياسي آخر الترتيبات الكفيلة بإنجاح هذا الاستحقاق التنظيمي على مختلف المستويات، تأكيداً على حرص الحزب على الانضباط المؤسسي والانتظام في عقد هياكله.
وفي هذا الإطار، اعتبر المكتب السياسي هذا البلاغ بمثابة استدعاء رسمي لكافة عضوات وأعضاء المجلس الوطني للمشاركة في أشغال هذا الموعد التنظيمي السنوي.
الأصالة والمعاصرة: ترسيخ الحزب الحكومي
شكلت سنة 2025 لحزب الأصالة والمعاصرة مرحلة تثبيت أكثر منها مرحلة تحول، حيث اشتغل الحزب على تعزيز صورته كفاعل حكومي منضبط، قادر على الجمع بين التسيير السياسي والتحديث التنظيمي، فقد بادر إلى إطلاق ميثاق أخلاقيات وتحديث هياكله الجهوية والإقليمية، في محاولة لتعزيز الثقة الداخلية وضبط الأداء التنظيمي قبل الاستحقاقات المقبلة.
على مستوى التدبير الحكومي، ارتبط اسم الحزب بإصلاحات قانونية كبرى في قطاع العدل، وبحضور لافت في ملفات استراتيجية مرتبطة بالإسكان والانتقال الطاقي، خاصة ملف الهيدروجين الأخضر، ما منح الحزب بعداً دولياً في بعض القضايا.
أما سياسيا، فقد حافظ الحزب على توازن دقيق داخل الأغلبية، مع الاستمرار في تبني مقاربة ليبرالية في القضايا الاجتماعية، والاستعداد المبكر لانتخابات 2026 عبر تكوين النخب الشابة وتدويل النقاش حول قضية الصحراء من زاوية التنمية.
حزب الاستقلال: الحضور الحكومي بمرجعية تاريخية
واصل حزب الاستقلال خلال 2025 ترسيخ موقعه كقوة سياسية ذات مرجعية وطنية تجمع بين المسؤولية الحكومية والامتداد المجتمعي.
فقد استثمر الحزب حضوره داخل الحكومة في تدبير ملفات استراتيجية مرتبطة بالماء والبنيات التحتية والسيادة الغذائية، مقدما نفسه كفاعل عملي في مواجهة آثار الجفاف والتغيرات المناخية.
وفي موازاة ذلك، عمل الحزب على تجديد أدواته التنظيمية والتواصلية، من خلال الانفتاح على الشباب واستعمال الوسائط الرقمية والعمل التطوعي، في محاولة للربط بين العمل السياسي والفعل الميداني، واستعادة جزء من بريقه التاريخي في أفق الاستحقاقات المقبلة.
العدالة والتنمية: معارضة تستعيد النفس
بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، مثلت 2025 سنة إعادة التموضع بامتياز، فالمؤتمر الوطني التاسع، وما أفرزه من عودة عبد الإله بنكيران إلى الأمانة العامة، شكل لحظة سياسية حاسمة أعادت للحزب نبرة المعارضة القوية، ولكن ضمن سقف مؤسساتي محسوب.
الحزب ركز على تعزيز حضوره الرقابي داخل البرلمان، وانتقاد السياسات الاجتماعية والمالية للحكومة، مع الانخراط في ملفات سيادية كقضية الصحراء عبر تقديم مذكرة حول الحكم الذاتي، كما سعى إلى استعادة فئة الشباب من خلال مبادرات تتعلق بالوعي السياسي وملف التشغيل.
هذا التحرك عكس رغبة الحزب في تجاوز مرحلة الانكماش، وبناء معارضة قادرة على العودة التدريجية إلى قلب المشهد.
الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية: معارضة منظمة
اختار الاتحاد الاشتراكي خلال 2025 موقع المعارضة العقلانية والمؤسساتية، مركزاً على إعادة الهيكلة الداخلية وتجديد خطابه السياسي.
المؤتمر الوطني الثاني عشر شكل محطة لإعادة تعريف المشروع الاشتراكي الديمقراطي، في مواجهة ما يعتبره الحزب هيمنة للأغلبية الحكومية على القرار السياسي والاقتصادي.
برلمانياً، سجل الحزب حضوراً نقدياً قوياً، خاصة في ما يتعلق بقانون المالية والحوار الاجتماعي، ودافع عن قضايا الموظفين والعدالة الاجتماعية، في محاولة لإعادة بناء جسور الثقة مع قواعده التقليدية، استعداداً لمعركة انتخابية تتطلب نفساً تنظيمياً طويلاً.
أحزاب أخرى: أدوار نقدية وتكميلية
الحركة الشعبية واصلت التركيز على قضايا العالم القروي والعدالة المجالية، مع انتقاد السياسات الحكومية التي تعتبرها غير منصفة للفئات الهشة.
أما التقدم والاشتراكية، فحافظ على خطه النقدي الإيديولوجي، منبها إلى مخاطر الهشاشة الاجتماعية وضرورة تفعيل آليات حماية المتضررين.
وكانت 2025 بالنسبة لفيدرالية اليسار الديمقراطي سنة تثبيت للخط السياسي أكثر منها سنة توسع انتخابي، إذ واصلت تموقعها كصوت يساري نقدي ومعارض، مركزّة على القضايا الاجتماعية وارتفاع كلفة المعيشة والدفاع عن الحريات العامة، مع انتقاد ما تعتبره هيمنة منطق التدبير التقني على حساب العدالة الاجتماعية، وفي موازاة ذلك، اشتغلت الفيدرالية على تقوية التنسيق بين مكوناتها وتكثيف حضورها الميداني، مع فتح نقاش داخلي حول أفق توحيد اليسار وبناء بديل سياسي واضح المعالم استعداداً للاستحقاقات المقبلة.
وفي حين استمر الحزب الاشتراكي الموحد في تبني خطاب جذري، معارضا خصخصة الخدمات العمومية ومطالباً بعدالة اجتماعية أعمق.
وتؤكد سنة 2025 أن المشهد الحزبي المغربي دخل فعليا مرحلة ما قبل الانتخابات، حيث أعادت الأحزاب ترتيب أولوياتها وخطاباتها وفق منطق 2026. وبين أغلبية تراهن على الحصيلة والاستمرارية، ومعارضة تسعى إلى استعادة المبادرة والثقة، تتشكل ملامح معركة انتخابية عنوانها الأساسي، من يملك القدرة على تحويل الخطاب السياسي إلى أمل اجتماعي ملموس.
التحرك الحزبي المغربي قبيل الاستحقاقات الانتخابي
ويرى الباحث في العلوم السياسية، أسامة الطايع، أنه “يمكن تسجيل، في سياق التحرك الحزبي المغربي قبيل الاستحقاقات الانتخابية، ثلاث ملاحظات بنيوية تعكس طبيعة هذا الحراك وحدوده. أولًا، يطغى منطق تحشيد الجماهير عبر اللقاءات الإقليمية والمحلية، ليس بوصفه آلية تواصل سياسي بقدر ما هو استعراض ميداني يهدف إلى إبراز “قوة الحزب” وانتشاره الترابي، في ظل تنافس واضح على الصور والرسائل الرمزية أكثر من التنافس حول التصورات والبرامج”.
وأضاف المتحدث لـ”بلبريس” “ثانيًا، يُلاحظ غياب الشفافية لدى جل الأحزاب بخصوص النقاشات الداخلية والمذكرات الحزبية المرفوعة إلى وزارة الداخلية في إطار ورش تعديل القوانين الانتخابية، حيث ظل هذا النقاش حبيس الدوائر القيادية الضيقة، دون إشراك فعلي للمناضلين أو للرأي العام، ما يعمّق فجوة الثقة ويكرّس صورة الأحزاب كفاعل مغلق على نفسه”.
وأشار الطايع، إلى أن “الأحزاب تأثرت بشكل واضح بدينامية جيل زد السريعة والمتقلبة، إذ أبانت مواقفها الأولى عن ارتباك في فهم هذه الفئة وآليات اشتغالها، قبل أن تحاول مواكبة النقاش عبر مبادرات شكلية، من قبيل فتح منصات “ديسكورد” أو فضاءات رقمية للنقاش الحزبي، التي ظلت في معظمها بلا فعالية حقيقية”.
وخلص الباحث أن “هذا المسار يكشف أن الأحزاب لم تستوعب بعد منطق جيل يقوم على التفاعل الأفقي، والسرعة، والصدق الخطابي، وأن محاولات التكيف ظلت تقنية وسطحية، دون مراجعة عميقة لخطابها وأدواتها وآليات اشتغالها، وهو ما يحد من قدرتها على تحويل هذه الدينامية الرقمية إلى رافعة سياسية حقيقية”.