في سياق النقاش البرلماني حول إصلاح الإطار القانوني المنظم لمهنة الصحافة، أبرز وزير الشباب والثقافة والتواصل، المهدي بنسعيد، أن مشروع القانون رقم 026.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة يُعد محطة تشريعية مفصلية في مسار تطوير المشهد الإعلامي الوطني، لما يحمله من رهانات مرتبطة بتعزيز التنظيم الذاتي للمهنة وصيانة استقلالية الصحافة وحماية حريتها، وفق ما يقره الدستور.
وجاءت تصريحات الوزير خلال مناقشة المشروع بلجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية بمجلس المستشارين، حيث استهل مداخلته بالتنويه بالعمل الذي قامت به اللجنة، مثمناً النقاش الجاد والمسؤول الذي انخرطت فيه مختلف مكونات الأغلبية والمعارضة، في أجواء وصفها بالديمقراطية الراقية.
وأوضح بنسعيد أن هذا النص التشريعي يندرج ضمن رؤية إصلاحية شمولية تروم مواكبة التحولات العميقة التي يعرفها قطاع الإعلام والاتصال، وتعزيز موقعه كرافعة أساسية لدولة الحق والقانون. وأشار إلى أن التجربة الأولى للمجلس الوطني للصحافة، رغم ما راكمته من مكتسبات، أفرزت مجموعة من الفراغات القانونية والإكراهات العملية التي فرضت مراجعة الإطار المنظم له.
وأضاف الوزير أن الحكومة اعتمدت، في إعداد المشروع، تقييماً موضوعياً للتجربة السابقة، وسلكت مقاربة تشاركية واسعة شملت مختلف الهيئات المهنية، من خلال تمكين لجنة مؤقتة من إعداد التصورات اللازمة وتنظيم مشاورات موسعة، وفقاً لما ينص عليه القانون، قبل إحالة المشروع على المسار التشريعي.
وشدد بنسعيد على أن المشروع يجسد التكريس الفعلي لمبدأ التنظيم الذاتي للمهنة، معتبراً أن هذا الاختيار ليس إجراءً إدارياً عابراً، بل توجه دستوري عميق، بالنظر إلى أن الصحافة مهنة محمية دستورياً، ولا يمكن فصل حريتها عن آليات تنظيمها الذاتي، انسجاماً مع الفصل 120 من الدستور الذي يكرس دور الصحافة كأحد أعمدة الديمقراطية.
كما أكد الوزير أن الحرية والمسؤولية عنصران متلازمان، موضحاً أن حرية الصحافة لا تعني الفوضى، وأن التقنين لا يراد به التضييق، بل يهدف إلى بناء إعلام قوي ومهني ومسؤول، قادر على التعبير عن قضايا المجتمع والإسهام في إغناء النقاش العمومي.
وفي السياق ذاته، نبه بنسعيد إلى التحديات المتزايدة التي يطرحها التحول الرقمي وانتشار منصات التواصل الاجتماعي، وما يرتبط بها من إشكالات تتعلق بالمصداقية وأخلاقيات المهنة، معتبراً أن وجود مجلس وطني للصحافة يتمتع بالاستقلالية والقوة المؤسساتية يشكل آلية أساسية لمواجهة هذه التحديات، بعيداً عن أي تدخل من السلطة التنفيذية.
وختم وزير الشباب والثقافة والتواصل مداخلته بالتأكيد على أن الغاية الأساسية للحكومة ليست فرض أسماء أو توجيه اختيارات بعينها، وإنما إخراج مجلس وطني للصحافة يحظى بالشرعية والقوة المؤسساتية، وقادر على الاضطلاع بأدواره في حماية المهنة وتنظيمها ذاتياً، معبّراً مجدداً عن شكره لمكونات اللجنة، من أغلبية ومعارضة، على تفاعلها الإيجابي والمسؤول مع هذا المشروع.