صادق المجلس الحكومي، خلال اجتماعه الأخير، على مرسوم يقرّ إعانة شهرية بقيمة 500 درهم لفائدة الأطفال اليتامى والمهملين نزلاء مؤسسات الرعاية الاجتماعية، في خطوة قُدّمت باعتبارها امتدادًا لتنزيل نظام الدعم الاجتماعي المباشر، وتفعيلًا للتعليمات الملكية السامية الرامية إلى حماية الفئات الهشة وصون كرامتها.
المرسوم، الذي يهم شريحة من أكثر الفئات هشاشة في المجتمع، ينص على إيداع هذا المبلغ شهريًا في حساب خاص باسم كل طفل لدى صندوق الإيداع والتدبير، مع منع أي تصرف فيه إلى غاية بلوغ سن الرشد، حيث يحق للمستفيد سحب المبلغ المتراكم، بضمان حد أدنى لا يقل عن 10 آلاف درهم، وقد يتجاوز في حالات عديدة 10 ملايين سنتيم، ما يمنح هذه المبادرة بعدًا ادخاريًا طويل الأمد، يتجاوز منطق الإعانة الظرفية نحو الاستثمار في المستقبل.
ورغم الإشادة الواسعة التي رافقت هذا القرار، فإن خلفياته السياسية لم تمر دون إثارة الجدل، خاصة وأنه يأتي في سياق انتخابي حساس، لا تفصل عنه سوى أيام قليلة. فالسؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح هو: ما الذي تغيّر فجأة؟
هذا التساؤل يزداد حدّة حين يستحضر الرأي العام مواقف سابقة للحكومة، في مراحل سياسية سابقة، بخيارات حكومية أوقفت أو قلّصت دعم الفئات الفقيرة، وربطت “التوازنات المالية” بتشديد الخناق على القدرة الشرائية للمغاربة، في مقابل استمرار الامتيازات والاحتكارات في قطاعات حيوية.
منتقدو هذه الخطوة لا يعارضون مضمونها الاجتماعي، بل يرحبون بها من حيث المبدأ، غير أنهم يرون فيها مفارقة صارخة بين الخطاب والممارسة، مستسحضرين شهادات سياسية سابقة، تتحدث عن فترات كان فيها النقاش داخل دواليب الحكومة لا ينصب على قضايا الفقر أو الهشاشة، بل على مشاكل توسيع هوامش الربح ومحاصرة المنافسين، في مشهد يعكس، بحسبهم، أولوية المصالح الاقتصادية الخاصة على حساب القضايا الاجتماعية.
ومع ذلك، يصرّ كثيرون على أن دعم الأيتام يبقى خطوة إيجابية لا يمكن إنكارها، بل ويستحق التصفيق، حتى وإن جاء متأخرًا. غير أن الطموح كان، في نظرهم، أن تُستكمل هذه المبادرة بخطوات أعمق، تبدأ بمساهمة حقيقية لأصحاب الثروات الكبرى في التخفيف من معاناة ملايين المغاربة الذين أنهكتهم غلاء المعيشة وسياسات حكومية وُصفت بالقاسية.
وبين البعد الاجتماعي للمرسوم وحمولة السياق السياسي، يبقى دعم الأيتام قرارًا محمودًا في جوهره، لكنه يفتح في الآن ذاته نقاشًا واسعًا حول صدقية التحول الاجتماعي للحكومة، وحدود الفصل بين ما هو إنساني مشروع، وما هو انتخابي ظرفي، في بلد لا تزال ذاكرة الفقراء فيه حاضرة بقوة.