وكالة “أم الربيع” تُمرّر صفقة شراء السيارات تفوق 100 مليون سنتيم

أثارت عملية اقتناء مركبات جديدة تنفذها الوكالة المستقلة لحوض أم الربيع بتكلفة تتجاوز مليوناً ومئة وعشرين ألف درهم (112 مليون سنتيم) تساؤلات حول أولويات الإنفاق العام ومدى التزام الإدارات بمبدأ ترشيد النفقات.

ففي وقت تشدد فيه الحكومة على سياسة التقشف والعقلنة المالية، يبدو قرار الشراء المباشر، رغم مشروعيته القانونية وشفافيته الإجرائية، مُتعارِضا مع توجهات اقتصادية أشمل تتبنى مقاربة أكثر مرونة وفعالية من حيث التكلفة، والأنسب يتمثل في نظام الكراء الطويل الأمد أو ما يُعرف بـ”اللِيزينغ”.

ولا شك أن عملية الطلبية رقم 53/2025 تمت وفق الأصول القانونية، وفقا لما اطلعت عليه “بلبريس”، بدءا من النشر في الجرائد الرسمية والبوابات الإلكترونية، ومرورا بجلسات فتح الظروف العلنية، وانتهاءً باختيار العرض الأكثر ملاءمة من بين عرض وحيد.

إلا أن جوهر الإشكال لا يكمن في سلامة الإجراءات، بل في الفلسفة الكامنة وراء اختيار آلية “التملك” بديلاً عن “الاستغلال”. ففي قطاع سريع التطور مثل وسائل النقل، حيث تتسارع وتيرة التقادم التقني وتنخفض قيمة المركبات بسرعة، يطرح الكراء نفسه كحلّ استراتيجي يخفّض التكلفة الإجمالية على المال العام.

وحسب مراقبين للشأن الاقتصادي، فإن نظام الكراء يحول دون تجميد مبالغ ضخمة في أصول ثابتة معرّضة للاستهلاك، ويمنح المرونة اللازمة لتحديد الأسطول حسب الحاجة الفعلية المتغيرة، ويُحرر الإدارة من أعباء الصيانة والتأمين والإجراءات الإدارية المرتبطة بالتخلص من المركبات القديمة. كل هذه التكاليف الخفية تتحول إلى التزامات ثابتة ومتوقعة ضمن عقد الكراء، مما يسهل عملية التخطيط المالي البعيد المدى ويرفع من درجة المساءلة والكفاءة.

وتتساءل المصادر نفسها، هل قامت الوكالة، وهي هيئة مُكلّفة بإدارة مورد حيوي وبتسيير أموال عمومية، بدراسة مقارنة جدوى مفصّلة بين خيار الشراء وخيار الكراء قبل إطلاق الطلبية؟ وهل تم تقييم التكلفة الشاملة لدورة حياة المركبات (Cost of Ownership) بما في ذلك مصاريف الصيانة الدورية وقطع الغيار وفقدان القيمة؟ أم أن الثقافة الإدارية السائدة ما زالت ترى في “التملك” عنوانا للهيبة والاستقرار، بعيدا عن حسابات الجدوى الاقتصادية الصارمة؟

كل ما سبق يفيد أن التوجه نحو ترشيد النفقات العامة لا يعني فقط اختيار العرض الأقل سعراً في عملية شراء، بل يعني قبل ذلك الاختيار الواعي للأداة المالية واللوجستية الأنسب التي تحقق المصلحة العامة بأقل كلفة ممكنة. صفقة اليوم، رغم ضخامتها، قد تتحول إلى عبء مالي وإداري غداً، في حين أن بديل الكراء كان يمكن أن يحول رأس المال المدفوع نحو استثمارات أكثر إلحاحاً في صلب مهام الوكالة، مثل تطوير شبكات الري أو حماية الموارد المائية.

 

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *