كشف استطلاع جديد أجرته مؤسسة “أفروبارومتر” أن أغلبية ساحقة من المغاربة، تصل إلى 89%، لا يعرفون شيئًا عن منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (ZLECAF)، وهو المشروع الضخم الذي يُعد أحد أكبر الرهانات الاقتصادية للقارة في العقود الأخيرة.
وفيما لم تتجاوز نسبة من سمعوا بالمشروع 6% فقط، يطرح هذا المعطى تساؤلات ملحة حول دور الإعلام والمؤسسات الحكومية في توعية المواطنين بالقضايا الاستراتيجية الكبرى التي يمكن أن ترسم مستقبل المغرب في السوق الإفريقية.
رغم هذا الجهل الجماعي بالمبادرة، أعرب 67% من المشاركين في الاستطلاع عن ثقتهم في أن الاتحاد الإفريقي يراعي مصالح المغرب عند اتخاذ قراراته، ما يعكس وجود نظرة إيجابية إلى المؤسسة القارية، حتى وإن كانت معرفة تفاصيل عملها محدودة.
أما بشأن التمثيلية الدولية، فقد أبدى 77% من المغاربة تأييدهم لضرورة أن يكون للدول الإفريقية صوت أقوى داخل المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، وهو ما يعكس تطلعًا عامًا نحو تعزيز مكانة القارة في الساحة العالمية.
وعن موقف المغاربة من التجارة الدولية، فإن حوالي 65% يؤيدون مبدأ حرية التجارة، حتى وإن كان ذلك على حساب حماية المنتجين المحليين، حيث عبر نصفهم عن رغبتهم في تبادل تجاري مفتوح مع كافة دول العالم دون استثناء.
في ما يخص العلاقات الاقتصادية الدولية، يرى 69% من المستجوبين أن الاتحاد الأوروبي يمارس تأثيرًا إيجابيًا على الاقتصاد والسياسة في المغرب. وفي المقابل، اعتبر 45% أن تأثير فرنسا سلبي، بينما لم ير سوى 32% أن لها أثراً إيجابيًا، ما يعكس تحولًا في الرأي العام المغربي تجاه العلاقة مع باريس.
وأشار تقرير “أفروبارومتر” إلى أن المغرب يُصنَّف خامس أقوى اقتصاد في القارة الإفريقية من حيث الناتج المحلي الإجمالي، ويعتمد بشكل كبير على التجارة كركيزة لنموه، بعدما نجح خلال العقدين الأخيرين في التحول إلى منصة تنافسية في سلاسل القيمة العالمية، وجذب استثمارات أجنبية ضخمة، خاصة في الصناعات الموجهة للتصدير.
وأكدت الوثيقة أن الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأول للمملكة، حيث يستقبل ثلثي صادراتها ويوفر 54% من وارداتها. كما يحتفظ المغرب باتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة منذ 2006، تتيح له دخولًا مميزًا للأسواق الأمريكية، مقارنة بجيرانه تونس والجزائر، الذين يواجهون رسوماً تصل إلى 30%.
كما أصبح المغرب وجهة مفضلة للشركات الصينية الباحثة عن تجاوز الحواجز الجمركية الأوروبية، خاصة في قطاعي السيارات والبطاريات. وتقدر الاستثمارات الصينية الأخيرة في المملكة بـ10 مليارات دولار أمريكي، ما يعزز مكانته كمركز استراتيجي جديد في إفريقيا.
ومنذ عودته إلى الاتحاد الإفريقي عام 2017، بعد غياب دام 33 عامًا، عمل المغرب على تعزيز حضوره الاقتصادي في القارة. فقد تضاعفت صادراته نحو إفريقيا من 300 مليون دولار سنة 2004 إلى أكثر من 3 مليارات دولار سنة 2024، وبلغت قيمة استثماراته في القارة 2.5 مليار دولار.
واختتم التقرير بالإشارة إلى “المبادرة الأطلسية” التي أطلقتها الرباط مؤخرًا، والهادفة إلى منح دول الساحل الإفريقي غير الساحلية (مالي، تشاد، النيجر، بوركينا فاسو) منفذًا بحريًا على المحيط الأطلسي عبر الموانئ المغربية، ما يمثل تحولًا جيوسياسيًا كبيرًا قد يعيد رسم موازين القوى في غرب القارة.