اليد الممدودة للجزائر… الرباط تكسب معركة “الإعلام الدولي”

في أعقاب الخطاب الملكي الذي وجهه الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لتربعه على العرش، والذي جدد فيه “مد اليد” إلى الجزائر ودعا إلى “حوار صريح ومسؤول”، تفاعل الإعلام الدولي بشكل ملحوظ مع هذه الرسالة، معتبرًا إياها تعبيرا عن موقف مغربي ثابت في اتجاه الانفتاح والتقارب الإقليمي، رغم الجمود القائم.

فالرسالة الملكية، التي أكدت مجددًا على روابط الأخوة والمصير المشترك بين الشعبين المغربي والجزائري، حظيت باهتمام صحفي في كل من العالم العربي وأوروبا وإفريقيا، حيث تم تسليط الضوء على بعدها السياسي والدبلوماسي، وعلى خلفية الصراع القائم حول الصحراء المغربية.

في هذا السياق، ركّز موقع الجزيرة القطري على المقاربة الإنسانية للخطاب الملكي، مشيرًا إلى وصف الملك محمد السادس للشعب الجزائري بـ”الشعب الشقيق”، وحرصه على مد اليد للحوار دون شروط مسبقة.

الموقع أبرز أيضًا تمسك الملك بإحياء مشروع الاتحاد المغاربي، وتأكيده على أن الاتحاد لن يكون ممكنًا إلا بانخراط كل الدول، وعلى رأسها المغرب والجزائر.

غير أن التقرير أشار، نقلًا عن وكالة الأناضول، إلى أن أبرز عناصر الخلاف بين البلدين ما زال يتمثل في قضية الصحراء المغربية، التي تدعم الجزائر فيها جبهة البوليساريو، مع التذكير باستمرار غلق الحدود بين البلدين منذ 1994.

من جهتها، أفردت وكالة الأناضول التركية مساحة معتبرة للخطاب، مبرزة دعوة الملك محمد السادس إلى “حوار أخوي وصادق”، وهو ما وصفته الوكالة بأنه يعكس ثباتًا مغربيًا على خيار التواصل رغم برودة العلاقات.

الأناضول تطرقت كذلك إلى البعد المغاربي في الرسالة الملكية، معتبرة أن الدعوة لتفعيل الاتحاد المغاربي تمثل خطوة نحو إحياء طموح إقليمي معطل منذ عقود.

وقد أكدت الوكالة أن الجزائر لم تصدر أي رد رسمي حتى لحظة النشر، ما يعكس استمرار حالة الترقب في الجارة الشرقية.

أما الصحافة الأوروبية، فقد تناولت الموضوع من زوايا متعددة، فصحيفة لوفيغارو الفرنسية شددت على أن الخلاف بشأن الصحراء المغربية يظل حجر العثرة الأكبر في العلاقات المغربية الجزائرية.

وفي الوقت الذي رحّبت فيه الصحيفة بالدعوة الملكية إلى “حوار صادق”، فقد لاحظت أن الرباط سبق أن بادرت بنداءات مماثلة في 2018 و2021، لكنها لم تلق أي تجاوب رسمي من الطرف الجزائري.

وأضافت الصحيفة أن هذا الجمود السياسي مستمر رغم الاعترافات الدولية المتزايدة بمغربية الصحراء، وأبرزها دعم واشنطن وباريس المتجدد لمقترح الحكم الذاتي، وهو ما وصفه الملك محمد السادس في خطابه بأنه “خيار وحيد لحل النزاع الإقليمي”.

الصحيفة الإسبانية “الأطايار” اختارت زاوية مغايرة لتغطية الخطاب، من خلال التركيز على البعد التنموي الداخلي والعدالة المجالية، لكنها لم تغفل البعد الدبلوماسي، مبرزة حرص الملك على ضمان استقرار داخلي مستدام قائم على وحدة الأقاليم والمجالات الترابية.

الصحيفة تحدثت عن “نهوض اقتصادي وصناعي مغربي غير مسبوق” رغم الظرفية العالمية، لكنها ربطت ذلك بالحاجة إلى استقرار إقليمي يمر عبر تطبيع العلاقات مع الجزائر، في أفق بناء فضاء مغاربي موحد.

وفي القارة الإفريقية، خصص موقع “أب نيوز” (الوكالة الإفريقية) تغطية معمقة للخطاب الملكي، مسلطًا الضوء على البعد المغاربي والتنموي للرسالة، مع تأكيد التفاعل الإيجابي مع إشارات الانفتاح نحو الجزائر.

الموقع أشاد بالنتائج الاقتصادية التي عرضها العاهل المغربي، لكنه اعتبر أن الدعوة المتكررة للحوار تعكس حرص المغرب على تجاوز الانقسامات الجيوسياسية، بما يخدم أمن واستقرار شمال إفريقيا. كما لفت الانتباه إلى إشادة الملك بالدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، خاصة من دول مثل بريطانيا والبرتغال، وهو ما يعزز، حسب الموقع، موقع الرباط على الساحة الدبلوماسية.

ويرى عدد من المراقبين للشأن الإعلامي أن هذا التفاعل الدولي أن الخطاب الملكي قد نجح في إيصال رسالة الانفتاح، مجددًا التزام المغرب بمقاربة عقلانية وسلمية، تتأسس على الأخوة والروابط التاريخية، من دون أن تتنازل عن ثوابته الترابية.

وفي الوقت الذي يلاقي فيه هذا التوجه دعمًا خارجيًا متصاعدًا، فإن الجمود في الجبهة الجزائرية ما زال يشكل العائق الأكبر أمام أي اختراق محتمل، في ظل غياب رد رسمي يعكس نية سياسية لتجاوز منطق القطيعة والانغلاق.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *