ناقشت حلقة جديدة من برنامج “حديث العرب” على قناة سكاي نيوز عربية موضوعا مثيرا للجدل: أسباب صمود الملكيات العربية أمام الاضطرابات السياسية التي عرفتها المنطقة خلال العقد الأخير، مقابل الانهيارات التي شهدتها جمهوريات عربية. واستضاف البرنامج القيادي بحزب التجمع الوطني للأحرار ووزير العدل الأسبق، محمد أوجار، الذي قدم قراءة تحليلية لمسار الملكيات والجمهوريات في المنطقة.
أوجار أوضح أن ما عرف بـ”الربيع العربي” كان بمثابة زلزال استراتيجي أطاح بأنظمة سياسية وأدى إلى انهيار دول كانت تصنف ضمن القوى الإقليمية. وأكد أن الأنظمة التي تمكنت من الحفاظ على التماسك والاستقرار في خضم تلك التحولات هي الملكيات العربية، مبررا ذلك بارتكازها على شرعية تاريخية ودينية متجذرة في الوعي الجمعي العربي والإسلامي، إضافة إلى ما أسماه “مشروعية الإنجاز” من خلال تحقيق الأمن والتنمية، معتبرا أن هذه المزايا جعلت الملكيات تحافظ على السلم الاجتماعي، في وقت فشلت فيه بعض الجمهوريات في توفير الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم لمواطنيها.
وفي المقابل، تطرق المتحدث إلى التجارب التاريخية لدول أسقطت أنظمتها الملكية مثل إيران، ليبيا، العراق وأفغانستان، مبرزا أن هذه التحولات أفرزت أنظمة عسكرية أو دينية انتهت إلى ديكتاتوريات وصراعات أهلية. وأكد أوجار أن هذه النماذج تبرز الفرق بين الملكيات، التي استطاعت التكيف مع المتغيرات، والجمهوريات التي ظلت في كثير من الحالات “شكلية” وغير قادرة على ترسيخ الديمقراطية لغياب الشروط الحضارية والثقافية.
وعن المغرب، اعتبر أوجار أن الملكية فيه تمثل امتدادا تاريخيا لأزيد من 12 قرنا، موضحا أن أدوارها كانت محورية في مقاومة الاستعمار والحفاظ على الوحدة الوطنية. واستشهد بحدث نفي الملك محمد الخامس إلى مدغشقر بعد رفضه التنازل عن العرش لصالح نظام بديل حاولت فرنسا فرضه، وهو ما أطلق شرارة “ثورة الملك والشعب”، التي عززت المشروعية الوطنية والتحررية للملكية المغربية إلى جانب الشرعية التاريخية والدينية.
وأضاف أن المغرب تميز بالمرونة السياسية من خلال إدماج المعارضة في تدبير الشأن العام، مشيرا إلى تجربة التناوب في أواخر التسعينيات التي مهدت لتوافق وطني واسع، ثم إلى دستور 2011 الذي وسع صلاحيات الحكومة والبرلمان، مع الإبقاء على الاختصاصات السيادية للملك بصفته أمير المؤمنين وضامن الوحدة الترابية.
وتحدث أوجار عن تجربة إدماج حزب العدالة والتنمية في الحكم عقب حراك 20 فبراير 2011، معتبرا أنها برهنت على التزام المغرب بالمنهجية الديمقراطية من خلال تعيين أمين عام الحزب الفائز في الانتخابات رئيسا للحكومة. وأشار إلى أن هذه المرحلة انتهت بعد عشر سنوات، حين عاقب الناخبون الحزب انتخابيا بسبب ضعف حصيلته الحكومية، لافتا إلى أن هذه التجربة أبرزت قدرة النظام السياسي المغربي على احتواء التحولات في إطار المؤسسات، دون انزلاق إلى الفوضى أو الصراع على الشرعية.
وأكد أوجار أن نجاح الملكيات لا يعني غياب الحاجة إلى الإصلاح المستمر، بل يستوجب التفاعل مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية. وانتقد في المقابل ضعف حضور النخب الفكرية والسياسية في المشهد العمومي، مقابل صعود وسائل التواصل الاجتماعي كفضاء بديل للنقاش، معتبرا أن هذا الوضع يطرح تحديات أمام الممارسة الديمقراطية ويفتح الباب أمام الشعبوية. كما دعا إلى تجديد الخطاب السياسي وتطوير العمل الحزبي لمواكبة متطلبات المجتمع.
وختم حديثه بالتأكيد على أن استدامة الاستقرار في الملكيات العربية رهينة بقدرتها على تعزيز المشاركة السياسية، والاستثمار في الإصلاحات، والحفاظ على التوازن بين الهوية والتحديث في ظل عالم سريع التغير.