في قرار يزيد من حدة الجدل حول أولويات المؤسسات العمومية وجدل “السفريات الممولة”، كشفت الوكالة المغربية لتنمية الاستثمار والصادرات (AMDIE) (التابعة لوزارة كريم زيدان) عن مناقصة بقيمة 8.622.000 درهم لمشاركتها في صالونات دولية، من دون أن تقدم أي ضمانات أو معطيات دقيقة حول العائد المتوقع من هذه المشاركات.
الوثيقة الرسمية، التي اطلعت عليها “بلبريس”، والمؤرخة بتاريخ يوم أمس الجمعة 18 يوليوز 2025، كشفت عن الفائز بالصفقة وهنا الحديث عن FIRST CLASS EVENT، والتي لا يتجاوز رأسمالها الـ1 مليون درهم.
ويتساءل مراقبون عن هذا المبلغ الضخم، لاسيما أن الوكالة لا تحضر عددا كبيرا من الصالونات الدولية، ولم يتم تقديم أي مؤشرات ملموسة تثبت أن المشاركات السابقة في مثل هذه التظاهرات قد ساهمت في جذب استثمارات أجنبية نوعية أو فتحت أسواقًا جديدة للصادرات المغربية.
المفارقة تكمن في أن هذه الميزانية تُرصد في وقت يعاني فيه الاقتصاد المغربي من تحديات جسيمة، حيث تعجز المقاولات المحلية عن الحصول على التمويل الكافي، ويشتكي المستثمرون من غياب الحوافز الفعلية، بينما تُنفق ملايين الدراهم على أنشطة غالبًا ما تكون صورية، تكتفي بتسجيل الحضور الشكلي دون متابعة حقيقية للمستثمرين المحتملين أو تحقيق نتائج ملموسة.
وتطرح مصادر أن الأمر يصبح أكثر إثارة للاستغراب عند مقارنة هذا المبلغ بميزانيات هيئات استثمارية مماثلة في دول أخرى، والتي تُدار بكفاءة أعلى وتكاليف أقل، ناهيك عن أن هذا المبلغ يعادل ميزانيات تشغيلية كاملة لقطاعات حيوية مثل التعليم أو الصحة في مناطق مغربية مهمشة.
التجارب السابقة تكشف فشلًا ذريعًا لهذه المشاركات، فمعظم الصالونات التي شاركت فيها الوكالة لم تسفر عن أي اتفاقيات استراتيجية قوية أو نتائج ملموسة، بل تحولت إلى منصات للتصوير الرسمي وإلقاء الخطابات الترويجية الجوفاء، دون أي تأثير إيجابي على الاقتصاد الوطني أو تحسين ترتيب المغرب في مؤشرات جذب الاستثمار.
العديد من المراقبين يرون أن الأولوية اليوم يجب أن تكون لتحسين البيئة الاستثمارية المحلية، بدلًا من إضاعة الموارد في مشاركات خارجية باهظة الثمن، فالمستثمرون، سواء المحليون أو الأجانب، يعانون من اختناقات بيروقراطية وفساد وعراقيل إدارية تُنفرهم بدل أن تجذبهم، وهو ما طُرح أكثر من مرة في قبة البرلمان سواء في الغرفة الأولى أو الثانية المتعلقة بالمستشارين.
وكان من الأجدر بالوكالة توجيه جزء من هذه الميزانية الضخمة لدعم المشاريع الناشئة أو تحسين خدمات مواكبة المستثمرين على أرض الواقع، بدلًا من الإنفاق على حضور صالونات لا تُقدم ولا تؤخر.