يرجع الفضل في المغرب للضغط الإعلامي والشعبي، لإجبار السلطات المغربية، على الخروج من دائرة الصمت، حول القضايا التي تثير الرأي العام، وهو ما تستجيب له السلطات، سواء بشكل رسمي عبر الحكومة، أو غير رسمي عبر أحزاب الموالاة في الحكومة، لكن ما إن يُطمئن الرأي العام، ويذبل ضغط الشارع، حتى تعود السلطة إلى ضرب جدار الصمت المطبق، إزاء هذه القضية أو تلك.
تعنيف الوزرة البيضاء.. من التحقيق المطمور إلى الهيئات الحقوقية
في عهد حكومة العدالة والتنمية، وللمرة الثانية، في ظرف ثلاث سنوات، تعنف الوزرة البيضاء، ويسفك دم الأساتذة، بعيدا عن دم المدرسة العمومية المهدور، فتلك حكاية أخرى.

كانت المرة الأولى، في اليوم الـ7 من يناير 2016، من طرف القوات العمومية، أثناء وقفة احتجاجية أمام مركز التكوين الجهوي بإنزكان-أكادير.
حينها أعلن وزير العدل والحريات السابق، مصطفى الرميد، بأنه أمر بإجراء تحقيق حول هذا التعنيف، وبعد الرميد، دخل رئيس الحكومة، السابق عبد الإله بنكيران، أيضا وصرح، أمام أعضاء من حزبه بأنه، ينتظر نتائج تلك التحقيقات التي أمر بها لاتخاذ الموقف المناسب مما جرى، ومن يومها والتحقيقات تلك، كغيرها داخل رف “التحقيقات المسكوت عنها في المغرب”.
المرة ثانية، كانت أول أمس الأربعاء، خلال الإضراب الذي دعت إليه النقابات الأكثر تمثيلية، تزامنا مع الذكرى الثامنة، لحركة “20 فبراير”، حينما تدخلت القوات العمومية، لـ"نسف" مسيرة “الأساتذة المتعاقدين”، بالرباط..
وأدانت نقابات، وجمعيات حقوقية تعنيف أساتذة التعاقد أمام القصر الملكي، محملة حكومة العثماني المسؤولية الكاملة، لما اعتبره التنسيق النقابي الثلاثي،”محاولة يائسة لتكسير شوكتهم ومعركتهم المستمرة والمتواصلة من أجل الإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية”.
وبعد أربع وعشرين ساعة، من الجدل الكبير الذي أثاره تعرض الأساتذة المتعاقدين للعنف، خرجت الحكومة عن صمتها حيال هذا الموضوع، يوم أمس الخميس.
رد الحكومة، جاء على لسان مصطفى الخلفي، الناطق الرسمي باسمها، الذي قال إن “الحق في الاحتجاج مكفول ومشروع في إطار القانون”، و”السلطات المعنية بالقانون تنظم التظاهر وتحدد المسارات المرتبطة به”.
وتابع الخلفي، في رده على سؤال خلال الندوة الصحفية التي أعقبت انعقاد الإجتماع الأسبوعي للحكومة، الخميس- حول سبب التدخل الأمني في حق المسيرة، قائلا “أي ملاحظة أو مشكلة تتعلق بهذا تتم الإحالة على الهيئات الوطنية المعنية لحقوق الإنسان”.
في ذات الصدد، قال بلاغ المديرية العامة للأمن الوطني، والذي صدر بعد ندوة الخلفي، الخميس، أن “العمليات النظامية المنجزة تمت في إطار القانون، وكانت حريصة على الموازنة والتوفيق بين حماية الأمن والنظام العام من جهة، وكفالة الحقوق والحريات من جهة ثانية”.
ومقابل كلام الخلفي، وبلاغ مديرية الأمن، اللذان يمثلان السلطات الرسمية والأمنية، يتفاقم الصمت والغياب شبه التام، لمؤسسة البرلمان، المعنية الأولى بالرقابة في المغرب، حيث تتحاشى الأحزاب السياسية، أغلبية ومعارضة، التطرق لقضية تعنيف الأساتذة، والتساؤل حول مآله ونتائجه.
[bs-quote quote="وفِي هذا السياق، تطرح صحيفة “بلبريس”، تساؤلات عن التعنيف الذي تعرض له الأساتذة المتعاقدون، والذي شغل الرأي العام في المغرب، وتناقلته كبريات الصحف الوطنية والدولية." style="style-13" align="center"][/bs-quote]
شكل من أشكال التعامل مع الحركات الاحتجاجية
يرى أحمد الهايج، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن تعنيف الأساتذة المتعاقدين، “شكل من أشكال تصريف تعامل الدولة مع كافة الحركات الاحتجاجية، والملفات الاجتماعية والاقتصادية المطروحة”.
وقال الهايج، في حديثه مع صحيفة “بلبريس”، أنه حينما تصل الأمور إلى درجة “لا تستطيع الدولة كبحها، فهي تلجأ إلى استعمال القوة والعنف”.

وأشار الحقوقي، إلى أن “الشكل القوي والمفرط الذي تم اعتماده للتعنيف والتعامل مع مسيرة النقابات وتنسيقية الأساتذة يوم 20 فبراير، شيء لا يمكن تبريره، ولا يمكن توصيفه بأية صورة من الصور، خصوصا وأننا أمام تعنيف الغاية منه الإيداء وإلحاق الضرر”.
واعتبر الهايج، بأن تصريحات مصطفى الخلفي“كلام غير مقبول، يبرهن عن عدم تحمل المسؤولية الذي أظهرته هذه الحكومة وسابقتها”، مضيفا، أن كون هنالك “قوانين تحمي الحقوق فالأولى احترام هذه القوانين من السلطة”.
وشدد المتحدث، على رفض “منطق، إذهب وأشتكي”، بحيث على الدولة أن “تتحمل مسؤوليتها لأن الحركة الحقوقية ليست معنية بحماية المواطنين، بقدر ما توضح للدولة أخطاءها”.
قرار سياسي يظهر تخوف الحكومة
من جهته، أكد محسن بنزاكور، أستاذ متخصص في علم النفس الاجتماعي، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية الجديدة، على أن “العنف لن يقود سوى إلا إلى مزيد من العنف”، وأن “قرار التدخل على مسيرة الأساتذة، كان قرارا سياسيا، وليس أمنيا، الهدف منه تفريق المظاهرة”.
ويرى الدكتور بنزاكور، أن وراء تعنيف الأساتذة، “تخوف حكومي من فشل "التعاقد"، ولهذا يظهر التدخل، أن صاحب القرار كان يسيطر عليه الخوف حتى من المواجهة بالحوار”.
وأشار بنزاكور، إلى أن الأساتذة المتعاقدين، “كانوا أذكياء أكثر من الحكومة، بقبولهم التعاقد، للخروج من وضعية الأزمة، والفقر والهشاشة، من جهة، ولكسب صفة قانونية للتحاور من جهة أخرى”.
وأكد متحدثنا، على أن الحكومة والأساتذة المتعاقدين، وصلوا مرحلة “برادفير”، مضيفًا، أن من “سوف يتنازل سوف يكون الأذكى، لأن منطق البقاء للأقوى، سيكون ثمنه استقرار المجتمع، والأطفال التلاميذ ضحايا الإضرابات”.
ثمّة كثير قيل عن تعنيف الأساتذة المتعاقدين، وثمة كثير قد يقال حول ذلك، ولكن في المحصلة، لا بأس بكل ذلك الجدل أن يثار في مجتمع مأزوم، تترأسه حكومة جعلته محطما، بعدما جاءت وراء حلم مجهض، وخطبت ود الشعب بإسم الدين، كما يرى الكثيرون.