دراسة: الحجر الصحي عمّق حضور الشباب المغربي بالفضاء الرقمي دون تعزيز إنتاجيتهم

كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة "الباحث للدراسات والأبحاث" عن أن فترة الحجر الصحي الذي فرضته جائحة "كوفيد-19" شكّلت نقطة تحول مهمة في علاقة الشباب المغربي بالفضاء الرقمي، حيث أصبح هذا الأخير بديلاً رئيسياً للفضاءات الاجتماعية التقليدية ومتنفساً يومياً للتواصل والتعبير عن الذات.

 

الدراسة، التي أنجزها الدكتور محمد بنعيسى باللغة الإنجليزية، تناولت موضوع التفاعل الرقمي لدى الشباب المغربي خلال تلك الفترة الاستثنائية، مركزة على تحليل أنماط الاستخدام والتحولات الاجتماعية والثقافية التي رافقت هذه الظاهرة. وأوضح الباحث أن الفضاء الرقمي لعب دوراً حاسماً في إعادة تشكيل العلاقات الاجتماعية، سواء من خلال تعزيز التقارب الافتراضي أو بروز أشكال جديدة من الهوية والانتماء الجماعي.

 

واعتمدت الدراسة على مقاربة سوسيولوجية جمعت بين التحليل الكيفي والكمي، مستندة إلى استبيانات إلكترونية ومقابلات نصف موجهة مع عينة تتكون من 500 شاب وشابة تتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة، جُمعت بياناتهم بين ماي ويونيو 2020. وتوزعت العينة إلى 52% ذكور و48% إناث، أغلبهم عازبون بنسبة 90%، فيما بلغت نسبة المتزوجين 9% والمطلقين 1%.

 

أما من حيث المستوى التعليمي، فكانت الغالبية من طلبة سلك الإجازة (57%)، يليهم الحاصلون على مؤهلات التعليم الثانوي (14%)، وطلبة الماستر والدكتوراه (12%)، بينما شكل متدربو التكوين المهني 9%. في المقابل، لم تتجاوز نسبة من يحملون مؤهلات التعليم الإعدادي والابتدائي 8% مجتمعة.

 

وأظهرت نتائج البحث أن الحجر الصحي دفع الشباب المغربي إلى الاعتماد بشكل أكبر على الوسائط الرقمية، حيث تجاوز معدل الاتصال اليومي ست ساعات لدى نسبة معتبرة من العينة، موزعة بين التعلم عن بعد، الترفيه، والتواصل الاجتماعي. وأكد العديد من المستجوبين أن هذا الفضاء الرقمي مكّنهم من الحفاظ على علاقاتهم الاجتماعية والتخفيف من الإحساس بالعزلة.

 

مع ذلك، بيّنت الدراسة أن طبيعة التفاعل الرقمي ظلت في الغالب استهلاكية، حيث اقتصرت أغلبية الشباب على متابعة المحتوى وإعادة نشره دون انخراط فعلي في إنتاج مضامين جديدة أو المشاركة النقدية. وأظهرت تحليلات معمقة أن نسب المساهمة النشطة (مثل إنتاج المحتوى أو تنظيم مبادرات رقمية) كانت محدودة، ما يعكس ثقافة رقمية يغلب عليها الاستهلاك السريع للمحتوى بدل التفاعل الإبداعي معه.

 

واستنتج الباحث أن فترة الحجر الصحي، رغم تكثيفها للحضور الرقمي للشباب، لم تكن كافية لتحويل هذا الحضور إلى مشاركة نقدية وإنتاجية أوسع، داعياً إلى مزيد من الدراسات لفهم العوامل الثقافية والتعليمية التي تعيق تطور التفاعل الرقمي في أوساط الشباب المغربي.

 

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.