العزلة تطارد النظام الجزائري: دول الساحل تستدعي سفراءها احتجاجاً على التصعيد العسكري

في تصعيد دبلوماسي جديد يعكس تدهور علاقات الجزائر مع جيرانها، أعلنت كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الأحد 6 أبريل 2025، استدعاء سفرائها من الجزائر للتشاور، في خطوة تُضاف إلى سجل العزلة المتزايدة التي يعيشها النظام الجزائري في محيطه الإقليمي.

جاءت هذه الخطوة رداً على إسقاط الجيش الجزائري طائرة استطلاع مالية قرب الحدود بين البلدين، في حادثة أثارت غضب السلطات في باماكو، التي اعتبرت العملية "استفزازاً غير مبرر". وأكدت وزارة الخارجية المالية انسحابها من لجنة رئاسة أركان الجيوش المشتركة مع الجزائر، في إشارة واضحة إلى تدهور الثقة بين الطرفين.

 

ادعى الجيش الجزائري أن الطائرة المالية المسيرة "اخترقت الأجواء الجزائرية بكيلومترين"، لكن مالي رفضت هذه الرواية واعتبرت الحادث "اعتداءً سافراً" على سيادتها. هذا التصعيد العسكري ليس الأول من نوعه، حيث تتهم دول الساحل الجزائر باستمرارها في سياسة التهديد والاستفزاز بدلاً من بناء جسور التعاون الإقليمي.

واللافت أن هذه الحادثة تأتي في وقت تعاني فيه الجزائر من عزلة متزايدة، ليس فقط مع دول الساحل، بل أيضاً مع جيرانها المباشرين. فبينما تعمل المملكة المغربية على تعزيز شراكاتها الاقتصادية والأمنية مع دول إفريقيا وأوروبا، تختار الجزائر سياسة المواجهة والعسكرة، مما يجعلها طرفاً منفصلاً عن التحالفات الإقليمية الفاعلة.

لا يمكن فصل هذا التدهور الدبلوماسي عن الأزمة العميقة التي يعيشها النظام الجزائري، الذي فشل في تقديم نفسه كشريك موثوق به في المنطقة. فبينما تنخرط دول الجوار في مشاريع تنموية وأمنية مشتركة، تظل الجزائر حبيسة خطابها العسكري المتشدد، الذي لم يعد يجذب حتى حلفاءها التقليديين.

الملاحظ أن دول الساحل، التي كانت تعتمد في السابق على الدعم الجزائري في ملفات مكافحة الإرهاب، باتت تفضل التعاون مع قوى أخرى أكثر مصداقية وفعالية، مثل المغرب والتحالف الدولي. وهذا التحول يُظهر تراجع النفوذ الجزائري بشكل كبير، في وقت تحتاج فيه المنطقة إلى تعاون حقيقي لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية.

 

السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل يدرك النظام الجزائري أنه يسير بسرعة نحو الهاوية؟ فاستمراره في سياسة التصعيد العسكري والانغلاق الدبلوماسي لن يؤدي إلا إلى مزيد من العزلة، في وقت لا تستطيع فيه الاقتصاد الجزائري الهش تحمل تبعات قطع العلاقات مع المحيط الإقليمي.

بدلاً من استدعاء السفراء وتبادل الاتهامات، كان على الجزائر أن تختار طريق الحوار والتعاون، كما تفعل معظم دول المنطقة. لكن يبدو أن النظام العسكري الحاكم في الجزائر ما زال يعيش في زمن الوهم، حيث يعتقد أن القوة العسكرية وحدها كفيلة بفرض الهيبة، متناسياً أن العالم اليوم يُبنى على الشراكات الاقتصادية والاستقرار السياسي، وليس على الطائرات المسيرة المأسورة.

ويخلص المراقبون، كون الحادثة الأخيرة ليست سوى حلقة في مسلسل تراجع الدور الجزائري إقليمياً. وإذا أرادت الجزائر الخروج من عزلتها، فعليها أولاً أن توقف سياسة الاستفزاز، وتعيد النظر في أولوياتها، قبل أن يجد نفسها وحيدة في منطقة لم تعد تتسع للخطابات المتشددة.