تقرير إخباري: الجزائر من "المقاومة" إلى الانبطاح: نظام تبون يهادن فرنسا

في مشهد يُجسّد الانبطاح السياسي، استقبلت الجزائر وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، بترحابٍ لافت، وكأنّ سنوات من الخطاب الوطنيّ الحادّ حول "استعادة السيادة" و"مواجهة الاستعمار الجديد" لم تكن سوى ديكوراً مؤقتاً.

الزيارة، التي جاءت بعد أشهر من القطيعة الدبلوماسية، كشفت الوجه الحقيقي للنظام الجزائري، الذي تحوّل من مهاجمة فرنسا إلى التوسّل لاستعادة علاقته معها، بعد أن أدّت سياساته الفاشلة إلى عزلة اقتصادية وأزمات داخلية طاحنة.

استقبال بارد في بلاد "المليون شهيد"!

 

وصل بارو إلى مطار الجزائر العاصمة صباح اليوم، لكنّ ما لفت الانتباه هو غياب أيّ استقبال رسمي رفيع المستوى.

لم يحتَفِ به أيّ مسؤول جزائري كبير، بل اقتصر الاستقبال على مدير دائرة أوروبا في الخارجية الجزائرية، في إشارة واضحة إلى أنّ باريس ما زالت في "قفص الاتهام" رغم كلّ محاولات التودّد الجزائرية.

لكنّ هذا المشهد المتوتّر لم يستمر طويلاً، فبعد ساعات، تحوّل الجوّ إلى اجتماعات دافئة في وزارة الخارجية الجزائرية، حيث جرى توسيع النقاش بين الوفدين.

الغريب هنا هو حضور الأمين العام للخارجية الجزائرية، لوناس مقرمان، وهو ما يُعتبر ترقيةً غير معلنة لمستوى الحوار، وكأنّ الجزائر تريد أن تقول لفرنسا: "نحن جادّون في المصالحة، لكنّنا ننتظر خطواتكم!"

من خطاب "المقاومة" إلى شروط المهزومين

لم يعد النظام الجزائري يطالب فرنسا بـ"الاعتذار الرسمي عن جرائم الاستعمار" أو "تسليم المطلوبين في قضايا الفساد"، بل بات يبحث عن اتفاقٍ اقتصادي ينقذ اقتصادَه المنهار.

فبعد أن خسرت الشركات الفرنسية 30% من حجم تبادلها التجاري مع الجزائر، وتوقّفت صادرات القمح الفرنسي تقريباً، ها هو نظام تبون يهرول لإنقاذ ما تبقّى من العلاقات.

المفارقة الساخرة هنا هي أنّ الجزائر، التي كانت تتّهم فرنسا بـ"التدخّل في شؤونها"، أصبحت اليوم تتوسّل لها لاستئناف استثماراتها.

فحسب مصادر دبلوماسية للفرنسيين، فإنّ الجزائر وضعت عراقيل إدارية ومالية أمام الشركات الفرنسية كـ"عقاب جماعي"، لكنّ النتيجة كانت انهياراً في الاستثمارات وارتفاعاً في نسبة البطالة، ما دفع النظام إلى التراجع عن خطابه العدائي.

الجزائر تتنازل عن "المبادئ" لقاء فتات التعاون

في قضية الكاتب الفرانكو-جزائري بوعلام صنصال، الذي حكمت عليه الجزائر بـ5 سنوات سجن بتهمة "المساس بالوحدة الوطنية"، طالبت فرنسا بالإفراج عنه، وبدلاً من أن ترفض الجزائر هذا "التدخّل السافر"، بدأت تلوّح بإمكانية "تسوية" القضية، في سابقةٍ خطيرة تثبت أنّ النظام الجزائري مستعدّ لبيع سجناء الرأي لقاء رضا باريس!

أمّا في ملف الهجرة، فقد تحوّلت الجزائر من دولة ترفض "استقبال المطرودين من فرنسا" إلى طرفٍ مستعدّ للتفاوض حول "إعادة المهاجرين غير الشرعيين"، بعد ضغوطٍ شديدة من وزير الداخلية الفرنسي اليميني المتطرّف، برونو لوموار.

الذاكرة الانتقائية: الجزائر تنسى جرائم فرنسا مقابل وعود زائفة

رغم كلّ الخطاب الرنان حول "جرائم الاستعمار"، فإنّ الجزائر وافقت على استئناف عمل اللجنة المشتركة للمؤرخين، والتي ستقدّم تقريرها قبل صيف 2025.

لكنّ السؤال هو: هل ستجرؤ هذه اللجنة على كشف الحقائق كلّها، أم ستكون مجرّد غطاءٍ لدبلوماسية المصالح؟

الأكثر إيلاماً هو تنازل النظام الجزائري عن مطالبته باستعادة الأموال المنهوبة في عهد بوتفليقة، حيث اكتفى بـ"زيارة وعد" من وزير العدل الفرنسي جيرالد دارمانان، في حين لا يزال الفاسدون الجزائريون يمتّعون بثرواتهم في فرنسا دون أيّ محاسبة!

نظامٌ يبيع كرامته لقاء بطاقة عبور إلى باريس

العلاقة بين الجزائر وفرنسا اليوم هي علاقة "خادم وسيّد" بامتياز.

فبعد أن ضربت فرنسا الاقتصاد الجزائري بقراراتها، ورفضت تسليم المطلوبين، واعترفت بالحكم الذاتي للصحراء المغربية، ها هو نظام تبون يركع أمام ماكرون، ويقدّم التنازلات تلو التنازلات، دون أن يحصل على أيّ ضمانات حقيقية.

الجزائر، التي كانت ترفع شعار "لا مساومة على السيادة"، أصبحت اليوم تُساوم على كلّ شيء: على اقتصادها، على سجناء الرأي، على كرامتها.