سلط معهد الآفاق الجيوسياسي الضوء في تقريره الذي نُشر أمس الأحد، على التحول المفاجئ للنظام العسكري الجزائري باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية، مشيرًا إلى تغيير مفاجئ في السياسة الخارجية الجزائرية. وأوضح التقرير أن هذا التحول الدبلوماسي الكبير يأتي بعد تصريحات مثيرة أدلى بها السفير الجزائري في واشنطن، صبري بوقادوم، الذي عرض المعادن الجزائرية النادرة على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مؤكدًا أن "السماء هي الحد" للتعاون العسكري بين البلدين. وتعتبر هذه التصريحات بمثابة تحول غير عادي في السياسة الجزائرية، خاصةً بعد الانتقادات التي وجهها الرئيس عبد المجيد تبون للولايات المتحدة أثناء زيارته إلى موسكو في يونيو 2023.
تبون في موسكو: تصريحات مناقضة لسياسة الجزائر الحالية
وأشار المعهد إلى أن هذا التحول يأتي في سياق مغاير تمامًا لما كان قد أعلنه الرئيس تبون في موسكو، حيث أشار في ذلك الوقت إلى ضرورة الخروج من هيمنة الدولار الأمريكي وعبّر عن رغبته في انضمام الجزائر إلى مجموعة "بريكس"، وهي تصريحات تم رفضها بشدة. ويُعتبر هذا التناقض في السياسة الجزائرية مؤشرًا على غياب رؤية استراتيجية واضحة، حيث وصفه المعهد بأنه "دبلوماسية تفاعلية" بدلاً من "دبلوماسية استباقية".
التناقض في الخطاب الدبلوماسي الجزائري
وعبر المعهد عن استغرابه من الطريقة التي تم بها تقديم هذه العروض، معتبرًا أن إعلانها علنًا عبر وسائل الإعلام، بدلاً من القنوات الدبلوماسية التقليدية، يعد تصرفًا غير مهني ويعكس حالة من الذعر داخل النظام العسكري الجزائري. وقال المعهد: "كيف يمكننا أن نتعامل بجدية مع عرض استراتيجي لا يرتكز على أي أسس جيوستراتيجية متفق عليها بين البلدين؟".
الجزائر في عزلة دبلوماسية غير مسبوقة
وأشار التقرير إلى أن الجزائر تعيش حاليًا في عزلة دبلوماسية غير مسبوقة منذ استقلالها في عام 1962. العلاقات مع جيرانها تشهد تدهورًا مستمرًا، إذ قطعت الجزائر علاقاتها مع المغرب في أغسطس 2021، بينما تدهورت العلاقات مع تونس ودول الساحل منذ عام 2019. واعتبرت الجزائر غائبة بشكل لافت عن العديد من الفعاليات الإقليمية والدولية، مثل القمة الاستثنائية في القاهرة لإعادة إعمار غزة، مما يبرز تراجع نفوذها في القضايا العربية والفلسطينية، التي كانت تشكل جزءًا أساسيًا من سياستها الخارجية.
ضغوط أمريكية بسبب دعم البوليساريو
واعتبر المعهد أن سبب هذا التحول يعود أيضًا إلى الضغوط الأمريكية المتزايدة على الجزائر بسبب دعمها لجبهة البوليساريو. وأكدت تقارير أن الإدارة الأمريكية السابقة قد تفكر في تصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية، وهو ما يشكل تهديدًا كبيرًا للجزائر التي ارتبط دعمها لهذه الجبهة لعدة عقود بسياساتها الخارجية.
التنازلات الجزائرية في مواجهة الأزمات الدبلوماسية
في ظل هذا الوضع المتأزم، يواجه النظام الجزائري تحديات دبلوماسية جسيمة تجبره على تقديم تنازلات لم يكن ليقبل بها في الماضي القريب، ما يعكس عمق أزمته الدبلوماسية وانهيار الدعم الدولي له.