إشراك الأساتذة في صناعة القرار كفيل بعودة الحياة للمدرسة بعد انهيار وساطة النقابات
سجل ملف أزمة التعليم بين أطرافه الحكومة وأطر القطاع منعطفا جديدا، بعدما دعا رئيس الحكومة إلى فتح قنوات الحوار مع النقابات، جراء بلوغ الصراع إلى نفق مسدود، خصوصا بعد أن عاشت المدرسة شللا شبه تام، إزاء تصعيد الأساتذة، أملا في تحقيق ملفهم المطلبي.
وتفاقمت الأزمة بعد إعلان النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التعليم، معلنا نهاية التعاقد، بعد مسار من العراك شنته أسرة التعليم، من أجل الإدماج وتأمين مسارهم المهني؛ إلاّ أن أسرة القطاع ارتأت في اانظام اجحاف في حقهم، نظرا لافتقاره مجموعة من المعايير التي من شأنها النهوض بالوضعية الاقتصادية والإجتماعية والنفسية للأستاذ.
ونتيجة لذلك، فضل نساء ورجال التعليم مزيد من التصعيد، رفضا للنظام الأساسي، وسعيا لإعادة النظر فيه، مع مراعاة المقاربة التشاركية فيما يخص مراجعة، والانصات للملف المطلبي للأساتذة، وتضمينها في النظام الأساسي.
وقد أدى هذا السياق إلى تزايد الاحتقان، وتنظيم إحتجاج من قبل شغيلة قطاع التعليم العمومي، الأمر الذي دفع رئيس الحكومة إلى الاجتماع مع نقابات التعليمية الأكثر تمثيلية، من أجل مناقشة تطورات ملف الأساتذة.
وقد أفضى هذا النقاش إلى تحميل المسؤولية للوزير "بنموسى"، بعلة الانقلاب على مخرجات محضر اتفاق 14 يناير، الذي سبق التداول فيه، والافراج على النظام الأساسي دون إمداد النقابات بنسخة منه قبل محطة إصداره، ما دفع التنسيقيات إلى اتهام النقابات بالتواطؤ مع الحكومة؛ إلاّ أن رئيس الحكومة قطع وعدا بإعادة النظر، بما يستجيب لمحضر 14 يناير.
غير أن التنسيقيات رفضت مخرجات اجتماع رئيس الحكومة بالنقاباب، كونهم فقدوا الثقة بعد ضياع سنين من الحوار، وسنتين من الانتظار لصدور النظام الأساسي، الذي لم يسجل أي جديد، رغم إمهال المعنيين فرصة لتحقيق ملفهم المطلبي دون جدوى، ما زاد في فقدان الثقة رافضين تجديد الثقة مستقبلا إلاّ بتحقيق مطالبهم.
وبعد مزيد من الاحتقان والخطوات التصعيدية، وتنامي حدة الاحتجاجات والإضرابات، أصبحت الحجرات المدرسية شبه مهجورة، وتعرضت للشلل الشبه تام؛ في المقابل فضلت الحكومة تطبيق قانون الأجرة مقابل العمل، من أجل عودة الأساتذة إلى المدرسة، عبر اقتطاع ساعات التغيب أثناء الإضراب.
لكن الأساتذة فضلوا التضحية بأجورهم، حتى لا يخسروا ملفهم المطلبي، معتبرين ضياع الأجر كحق آني، خير من ضياع وضعية اقتصادية واجتماعية ونفسية، وكرامة الأستاذ الثمينة فوق أي أجر؛ الأمر الذي دفع الأغلبية الحكومية للاجتماع، والرد على التنسيقيات من خارج مؤسسة الحكومة، كون أن زعيم الأغلبية مستعد للحوار مع مؤسسات الوساطة، عبر تشكيل لجنة حكومية للتداول في أزمة النظام الأساسي.
وبعد الحوار الذي جمع الحكومة والنقابات التعليمية ليومه الاثنين 27 نونبر 2023 استجابة لطلب رئيس الحكومة؛ تم الاتفاق على مجموعة من النقاط التي شملت؛ تجميد ومراجعة النظام الأساسي، تحسين الوضع المادية للأساتذة، ووقف الاقتطاعات بعد الشهر المقبل، ومعالجة الملفات الفئوية، ثم برمجة اجتماعات بين قطاع التربية، والمالية، والتشغيل، في كل من يوم 30 نونبر، منتصف يناير 2024، مع منح مهلة لشغيلة التعليم من أجل تقديم مقترحات هم دخل هذا الزمن.
وبالرغم من انفتاح رئيس الحكومة على الحور مع مؤسسات الوساطة المتمثلة في النقابات، إلاّ أنه يبقى مهدد بالفشل، لمجموعة من الاعتبارات، كون أن فرد من الحكومة يعتبر أزمة الاستاذة معركة هيبة الدولة، رغم أن المشكل لا يتجاوز أزمة قطاع حكومي، وإن كانت أزمة التعليم أزمة دولة، إلاّ أن وضعية الأستاذ مرتبطة بتدبير قطاعي.
ومن هذا المنطلق، يلمح باستحاله التنازل والامتثال للحوار مع التنسيقيات، باعتبارها لا تمتلك أي مركز قانوني للحوار، وأن الحوار مع حركة احتجاجية تنارل، ومن شأنه إشعال حركات احتجاجية أخرى تفرض على الحكومة من حين إلى آخر، الجلوس على طاولة الحوار.
بينما الجدية الحكومية تقتضي النظر في أصل المشكل، ألا وهو الأستاذ جوهره، لكون هذا الأخير فقد الثقة في الحكومة والنقابات، وأن عودة الأساتذة للحجرات الدراسية، رهين بعود ثقة للأساتذة في هتين المؤسسين؛ وإبعاد التنسيقيات من جلسات الحوار، من شأنه تعقيد أزمة الثقة.
وفي ظل هذا الوضع، من الممكن للأساتذ أن يختار التصعيد من جهة، كما يمكنه أن يلطف الأجواء رغم فقدان الثقة، رأفة بحقوق التلاميذ ضحايا فشل الحكومة في تدبير ملف التعليم؛ غير أن عود الثقة لا يمكن أن تتحقق إلاّ من خلال النتائج النهائية التي سيتم الإفراج عنها، ومدى انسجامها مع الملف المطلبي للأساتذة.
أما إذا رأى الأستاذ أن الحكومة لازالت تلتف حول جلسات الحوار، واعلان مخرجات لا تستجيب لتطلعاتهم، فإن الأزمة مرشحة لمزيد من التعقيد والشلل الدراسي، خصوصا أن الفصل الأول من السنة، سيكون على وشك الانتهاء، ما سيؤدي إلى سنة بيضاء أو البحث عن حلول ترقيعية، إما عبر النجاح المباشر للموسم الدراسي، أو تقليص المحتوى البيداغوجي، دون استكمال البرامج المخطط لها.
إلاّ أن هاته التكهنات تبقى مجرد فرضيات، ومن المحتمل أن ترفض التنسيقيات الخنوع والعودة إلى المدارس، إلاّ بعد تقديم الضمانات من المؤسسات الرسمية، أو اشراكهم في جلسات الحوار، والانصات لمطالبهم، دون اقصائهم من حل صراع هم طرف أساسي فيه.
لكن في كلتا الحالتين، من الممكن للحكومة آن تتجاوز كل هاته الفرضيات والمخاطر ضد الموسم الدراسي، وتغليب لغة الحوار والحكمة والقرب من الأستاذ، واقحامه في صلب الحوار قصد تقريبه من المعطيات، واشراكه في صناعة القرار بناء على الأدوات المزود بها، وهي المعطيات المادية والظرفية، حتى لا يعارض مستقبلا قرار كان من بين صناعه.