تكلفة''الاستهتار التواصلي''زمن الأزمات عند بعض الوزراء بالمغرب -الوزير وهبي نموذجا-
خلقت الخرجات الإعلامية والتصريحات الصحافية لوزير العدل عبد اللطيف وهبي جدلا واسعا اتخذ أبعادا دولية ووطنية.خرجات أساءت كثيرا للوزير نفسه ولوزارة العدل ولحكومة أخنوش و للبلاد في سياق استثنائي كان يعيش على ايقاع الفرح والفخر بالانتماء للوطن بعد الانجازات التاريخية للفريق الوطني بكأس العالم بقطر.
تداعيات خرجات وزير العدل تستحق الدراسة والبحث، جملة واحدة نطق بها وزير العدل أحدثت زلزالا هز كل مكونات المجتمع، وتحولت لقضية رأي وطني ودولي بشكل رهيب .
جملة واحدة نطق بها وزير العدل، فهزت مشاعر المواطن الذي اعتبرهااستفزازا واستعلاء وعجرفة ونرجسية،مقابل اعتبارها من طرف وزير العدل وهبي هفوة لغوية ليس الا نتيجة عدم ادراك الوزير بمخاطر تواصل الأزمات، مما جعل المختصين في تواصل تدبير الأزمات يطرحون أسئلة كثيرة ومقلقة عن مستوى تواصل تدبير الازمات عند الوزراء، وعن مدى جهلهم بأهمية هذا التواصل وبمخاطره وتداعياته خصوصا إبان فترات الأزمات.
كثير من الوزراء والمسؤولين الكبار يعتقدون أن التواصل في زمن الازمات هو لغو، أو ''ثرثرة لغوية''، دون الوعي بخطورة هذا التواصل الذي يتحول في أوقات الأزمات إلى قنابل موقوتة وأسلحة فتاكة، إما أن تدمر الخصم، أو تفتك بمنتجها اذا أساء استعمالها أثناء استهداف الآخر، فالكلمة في زمن الأزمات مثل الأسلحة إما انها تجعل منك بطلا إذا ما وظفتها باحترافية وبذكاء وبحذر ،وإما تنفجر عليك وعلى محيطك، وهو ما وقع لوزير العدل عبد اللطيف وهبي أثناء دفاعه عن نتيجة مبارة المحاماة بنوع من الاستعلاء والعجرفة والهزل واللامبالاة والنرجسية دون ضبط ما يقول.
جملة وزير العدل تحولت لضجة كبيرة برهنت على أهمية وخطورة التواصل زمن الأزمات، الأمر الذي يفسر أن ما وقع للوزير وهبي سببه الأول هو التواصل ليس إلا، قبل أن يتحول لقضية سياسية و قانونية.
جهل الوزير وهبي بمخاطر التواصل فترة ما بعد نتيجة مبارة المحاماة ، دفعه يعتقد أن ‘’العنترية التواصلية ‘’ستحميه وتقويه ، فإذا بها تدمره ،وقد تقضي على مساره السياسي والمهني، لأنه مهما حاول تبرير هفواته التواصلية فلن يغير في شيئ ، ولن يوقف شرارة حرب المواجهة مع المعنيين بالأمر بعد أن تحولت نتيجة مبارة المحاماة لرأي عام وطني ودولي .
والمؤسف،عند بعض الوزراء والمسؤولين الكبار بالمغرب أنهم يعتقدون أنهم يفهمون في كل شيئ، ومقتنعون بأن تواصل تدبير الأزمات لا وجود له، ولا أهمية له ،لكونهم لم يفهموا بعد أننا نعيش عصر الثورة الرقمية ومجتمعات الاعلام والتواصل.
والمتتبع لتواصل هؤلاء الوزراء والمسؤولين الكبار يشعر بالحسرة لاعتقادهم أن كل'' لغو نرجيسي'' أو كل ''عنترية لغوية'' أو كل'' استعلاء تواصلي'' او أي ''تواصل مستفز'' هو سلطة وقوة، في حين أنها قوة تدمير.
وسياق هذا القول هو ما يعرفه المشهد السياسي المغربي من تبادل الاتهامات بين وزير العدل ومن اجتاز مبارة المحاماة ، اتهامات لا تليق باستثنائية اللحظة بعد ما حققه الفريق الوطني المغربي من انتصارات في كأس العالم بقطر; جعلت الأمة المغربية تعيش فرحا استثنائيا أساء اليه '' بعض البائسين'' اللذين باعوا واشتروا في تذاكر المونديال حسب وصف لقجع ، وأساء اليها تواصل الوزير وهبي المستفز، الأمر الذي أعاد للواجهة هول غياب ثقافة تدبير ازمة التواصل المؤسساتي عند الكثير النخب المغربية في زمن أصبحت فيه وسائل التواصل الاجتماعي تسقط أنظمة وحكومات ومؤسسات كبرى.
تواصل ووزير العدل وهبي عكس مستوى ثقافة الفاعلين السياسيين، ومدى عدم ادراكهم بان تواصل تدبير الأزمات هو سلاح فتاك إما يرفع شأن السياسي أو يحط من قيمته ويدمره.
وتاريخ التواصل المؤسساتي زمن الأزمات يشهد على ذلك ، حيث أنه لم يصل إلى مستوى ما وصل اليه التواصل المؤسساتي اليوم مع وزير العدل وهبي من انحطاط و رداءة واستعلاء ومن عجرفة، مما جعل المواطن يتساءل من المسؤول عن هذا النوع من التواصل؟ أين هم خبراء ومستشاروا التواصل بديوان الوزير؟ لماذا غابت الأناقة اللغوية في تواصل الوزير وهبي مع الشعب حضرت لغة العجرفة والاستعلاء والتباهي ؟ وهل رداءة التواصل المؤسساتي الحالي هي جزء من رداءة الزمن السياسي المغربي الراهن ذاته بنخبه وبمؤسساته؟.
أسئلة كثيرة وحارقة أخرى تطرح ، لذلك دعوني أعترف أنني أشعر بالحزن والحسرة حين أتابع ما تنشره وسائل الإعلام خصوصا الإلكترونية منها من معطيات حول مبارة المحاماة، وردود وزير العدل عليها، اتهامات متبادلة ضاعت الحقيقة بينهما في انتظار كلمة القضاء فيها.
ردود تواصلية فاقدة لأي حس سياسي، لغتها غارقة في مأزق الارتباك، تواصل فقد معه تواصل تدبير الأزمات كل مرجعياته المفاهيمية والاخلاقية .
الأمر الذي أدخل البلاد في أزمة صعبة ذهبت إلى حد المطالبة بإعفاء وزير العدل عبد اللطيف، وإعادة مبارة المحاماة، وبرهن بالواضح أن التواصل المؤسساتي بالبلاد في مأزق انطولوجي عميق.
لأنه في الوقت الذي كان المواطن ينتظر فيه أن يكون وزير العدل راقيا في ردوده وخرجاته التواصلية وفي مستوى اللحظة الاستثنائية التي يمر بها المغرب، ها هو يصدم الجميع بتواصل رديئ ومستفز ، الامر الذي يؤكد بأن تواصل تدبير الازمات بالمغرب في انحطاط بنيوي وليس بظاهرة عابرة، بل انه يجسد نسقا فكريا وبنية مجتمعية قائمة، وبمعنى آخر أن انحطاط التواصل المؤسساتي هو انعكاس لشروط انتاجه ولمستوى نخبه كما يؤكد ذلك بيير بورديو. (P.BOURDIEU
واليوم ،ونحن نعيش قرن الاعلام والمعرفة فأغلبية النخب السياسية المغربية ما زالت لا تفهم بعد بأن ممارسة السياسة وتحمل المسؤولية أساسه التواصل المؤسساتي المضبوط، وخصوصا تواصل تدبير الازمات الذي هو شكل من أشكال العمل السياسي يصعب تطويره بدون توفر الفاعل السياسي على تنشئة وثقافة سياسية ديمقراطية صلبة، و تشبع بالأخلاق السياسية والتزام بالتواصل المسؤول .
وتشير العديد من الأبحاث والدراسات ان استمرار الفاعلين والنخب وعلى رأسهم الوزراء والمسؤولين الكبار في عدم الوعي بمخاطر التواصل خصوصا زمن الأزمات له عدة مخاطر وتداعيات ، انه نوع من الانتحار السياسي، وتمييع لمجال السياسة.
لأن ما وصل إليه التواصل السياسي اليوم من الرداءة والانحطاط غير مسبوق في تاريخ التواصل السياسي المغربي، بعد ان اعتقد الشعب المغربي -بعد الدستور الجديد- ان زمن ''الطوباوية التواصلية'' قد ولى.
ولهؤلاء نقول ، إن للتواصل حساسية كبرى خصوصا زمن الأزمات،على كل المسؤولين في كل القطاعات وفي دواليب الدولة الوعي بأهميته وبمخاطره وتداعياته.
صحيح ،أزمة التواصل يمكن أن تحدث لأي فاعل مهما كانت درجة تنظيمه واتقانه وآدائه لعمله وفي أي وقت٫لكن حين وقوعها على الفاعل الصمت والتريث واتخاذ الحذر واللجوء لتواصل تدبير الازمات للحد من تداعياتها، لكن شريطة الوعي بالمخاطر المحيطة به.
من الواضح أن خرجات الوزير وهبي حول نتيجة مبارة المحاماة ستكون لها تداعيات على حكومة اخنوش وعلى حزب الاصالة والمعاصرة خصوصا بعد ان تحولت لحرب في العالم الإفتراضي بين الفرقاء.