محمد بوزفور يكتب : تهمة التجسس .. ورداءة الإخراج!!

يبدو أنه منذ اعتراف البيت الابيض بمغربية الصحراء وعدم انكسار المغرب أمام اسبانيا وألمانيا ، ومنذ التحول الذي طرأ في مواقف المغرب التي صارت تنحو نحو الانسلاخ المدروس من تأثيرات بعض القوى الاوروبية التقليدية ، ( وهوً ما عبر عنه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بأن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس وبان بلادنا ترفض منطق الاستاذ والتلميذ) ، أمسى مرئيا للعيان أن مؤامرات جديدة شرعت في التشكل ضذ المملكة المغربية ، كان أخر تمظهراتها محاولة فبركة تهم بصورة ركيكة تنسب للمملكة تتعلق بالتجسس والتي تعتبر من الناحية القانونية تشهيرا صارخا في حق مؤسساتنا الأمنية .

وتبعا لذلك يمكن أن نتساءل عن الخلفيات التي دفعت بعض اللوبيات الى التشهير بمؤسسات أمن الدولة المغربية من خلال ادعائها توظيفها لمنتوج تجسس على الهواتف تروجه شركة NSO الاسرائلية ؟؟
• رغم التعنت الاسباني واصطفافه الى جانب الجارة الشرقية في قضية المرتزق ابراهيم غالي ، فإن دبلوماسيتنا استطاعت بتوجيه من جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ان تقلب الموازين الى درجة تسببت في الإطاحة برئيسة الدبلوماسية الاسبانية أرنشا غونزاليس ألايا التي أعلن خلفها خوسي مانويل ألباريس اليوم ااخميس 22/8 أن المغرب " صديق كبير وشريك استراتيجي ".
• ان الخارجية المغربية لم تتحرج في تذكير ألمانيا بحقيقة أساسية مفادها ان حل الملف الليبي يوجد في شمال إفريقيا وليس في برلين ، وهو الجواب الذي جاء ردا على إقصاء المغرب من جولات نقاش سابقة تم استضافتها داخل ترابها !
• كان المناوؤن لوحدة التراب المغربي ينتظرون من المفوضية الاوروبية عدم تجديد الاتفاق الفلاحي ، لكن المفاجأة كانت مدوية عندما تم تمديده مؤخرا ليشمل كافة تراب الاقاليم الجنوبية ، مما اصاب الجزائر وجبهة المرتزقة التي تدور في فلكها بالصدمة و السعار .
• بات من المؤكد ان الجهات التي كانت تعول على الدور الأسود الذي أسند الى الجزائر منذ 1975 المتجسد في محاولة إلهاء المملكة عن مواصلة تنفيذ خططها التنموية و معاكسة سيادتها الترابية ، أيقنت أن جنرالات الكارطون لم يعد لهم تأثير يذكر في ميزان القوى الإقليمي ، سيما بعد الضربة الموجعة التي تلقاها هؤلاء نتيجة الشراكة الأمريكية الاستراتيجية مع بلادنا التي شملت في مضامينها الاعتراف بسيادة المغرب على كافة صحرائه ، علاوة على إعلان المغرب علانية بدعمه لحق تقرير مصير شعب القبايل .
• لم تتقبل بعض الأوساط الفرنسية اقتحام المغرب لحديقتها الجنوبية التي هي الحزائر ، بعدما أفدم على الاعتراف بحق تقرير مصير شعب القبايل ، وهي الورقة التي كانت تستعملها فرنسا منذ سنوات للضغط على الجنرالات ذوي العاهات النفسية المستديمة المتحكمين في مصير الجزائر .
• الرسالة المغربية التي وصلت إلى هؤلاء المتربصين كانت تتمحور حول المنزلة التي تحتلها قضية الوحدة الترابية في حياة المغاربة قاطبة ، باعتبارها مسألة مصير و وجود لا تحتمل الوقوف في المنطقة الرمادية ، فإما الإقرار بالحقوق الترابية للمملكة و توسيع محتلف مجالات التعاون الاقتصادي و غيره أو القطيعة والاصطفاف في ضفة الأعداء .
• في ظل ما راكمته بلادنا في الاونة الاخيرة من إنجازات، لم يعد خافيا أن بعض الجهات أضحت تشعر بالقلق إزاء الحجم المتنامي للدور الجيو استراتيجي الذي يلعبه المغرب في المحيط المتوسطي والأوروبي ، الأمر الذي جعل هذا الشعور يأخذ شكل دسائس تحاول النيل من المؤسسات الأمنية المغربية العتيدة الموكول إليها إنفاذ القانون والسهر على الامن القومي بقيادة الرجل المحنك السيد عبد اللطيف الحموشي ، والتي يعتبر دورها من الأوراق الرابحة والمركزية في المعركة التي يخوضها المغرب إلى جانب المنتظم الدولي ضذ الجريمة و الإرهاب ، وهو مسعى خائب من تلك الجهات التي تعتقد عن جهل بمناعة اللحمة المغربية ، أن تصويب البندقية والمقالات المسمومة صوب هذه المؤسسات بالذات ورجالاتها المخلصين لله والوطن والملك ، و محاولة شييطنة صورتها أمام العالم من طرف مجموعة من المنابر الاعلامية الفرنسية ومنطقة Amnesty international ، قد يسهم يوما ما في تركيع المملكة وتحجيم مكانتها الدولية .
بعد استحضار كافة هذه الأبعاد ، يبقى ضروريا التوقف عند درجة تهافت التهافت في علوم الهواتف ، (نسبة الى اختراقات الهاتف )
الغريب في أمر هذا التجسس المزعوم ، هو ان ركوب مطية الدعاية المغرضة ضذ بلادنا اقتضى تحالف مجموعة من قوى الظلام تتخفى خلف جهات اعلامية ذات خط تحريري يساري معادي للمغرب بقيادة تجمع يسمى Forbiden Stories ( القصص الممنوعة ) الذي يضم اذاعة فرانس 24 و اذاعة فرنسا و ميديا بار وجريدة لومند وغيرها بالإضافة الى منظمة العفو الدولية Amnesty ، من أجل تلطيخ سمعة بلادنا دون توفرها على دلائل ملموسة ، وذلك من خلال الإدعاء بان المصالح الامنية المغربية قامت بالتنصت على الرئيس الفرنسي ماكرون و وزراء في حكومته وعدد من رجالات الاعلام والمحامين الفرنسيين إضافة - حسب زعمها -الى عدد كبير جدا من الشخصيات المغربية والجزائرية و الافريقية .
و الواضح ان هذا العمل الدعائي الممنهج يروم استهداف المملكة و زرع عدم الثقة في مقوماتها وخلق أجواء من الالتباس والتصعيد لدق إسفين بين الرباط و باريس خدمة لاجندات ستكشفها الايام القادمة !!
لكن ما يدعو حقا الى السخرية هو أنه في الوقت الذي استعمل الوزير الاول الفرنسي CASTEX لغة التحفظ بعد ان أكدت الأبحاث - حسب قوله - عدم وجود اثباتات تقنية وقطعية تؤكد التجسس على الرئيس ماكرون ، ظهرت على اذاعة فرانس 24 أعراض واضحة من البلادة ، عندما تساءلت : ما أدلة المغرب على عدم استعمال برنامج التجسس " بيغاسوس " الإسرائيلي ؟؟
هل بمقدورنا أن نفهم شيئا واضحا من هذا السؤال البعيد عن النباهة ؟
كيف يعقل أن تقوم النيابة العامة - مثلا - برفع دعوى قضائية و توجيه الاتهام الى شخص ما أو مؤسسة ما ، دون تقديم صك الاتهام مصحوبا بالادلة ، أي دون عرض الأسباب التفصيلية للمتابعة ، أي دون لجوء المدعي الى الإدلاء المسبق ببراهينه !!
لكن أن نطالب المشتكى به - الذي هو المغرب - بتقديم دلائل على براءته في غياب أي حيثيات قبلية للمتابعة ، فإن شيئا ما ليس على ما يرام كما يقول الفرنسيون !!!

وفي نفس الإطار أعاد موقع Maghreb Intelligence نشر مقال لمجلة Le Point الفرنسية الصادرة يوم الخميس 22/8 تحت عنوان : لماذا فرنسا غاضبة من المغرب وخصوصا مصالحه الاستخباراتية ؟
يقول المقال في إحدى فقراته أنه من خلال " تصفح المقالات التي نشرت من طرف الصحافة الفرنسية ، يبدو أن المغرب قد تحول في رمشة عين الى الأخ الأكبر الذي يراقب الجميع بمن فيهم الدول الاكثر تقدما في المجال التكنولوجي ، وهو ما يشبه فيلما للتجسس من الصنف باء ، خصوصا اذا كان السيناريو الموضوع قد تناسى الإدلاء بأدلة دامغة حول هذه القصة المتخيلة "
واذا كان المقال قد لجأ إلى نوع من الاستهزاء في الفقرة أعلاه حول رداءة الإخراج في هذه الروايات الميلو درامية ، فإنه أماط اللثام من جهة ثانية عن وجود شكوك مباشرة حول مصداقية الاتهامات الموجهة الى المغرب في هذه الظرفية بالذات ، بل و عمد الى الكشف عن خلفيات أخرى ، ترجح ان يكون التصعيد " الفرنسي " — والقول له —- بمثابة رد فعل على الشروع الوشيك للمملكة في توقيع عقود ضخمة مع ايطاليا في مجال التسلح ، وأخرى مع الصين تتعلق بتجهيز خط للقطار المكوكي TGV سيربط بين مدينتي الدار البيضاء ومراكش .
كما أوضح المقال أنه في إطار تكريس استقلالها الاقتصادي ، قامت المملكة بإبعاد شركة فرنسية من طلب العروض المتعلق بالمشروع المستقبلي لميناء الداخلة الأطلسي .
واذا كان المثل العربي المطابق للسياق يقول : " شهد شاهد من أ هلها "، فإنه في مواجهة هذه التهجمات ، لم تبق السلطات المغربية مكتوفة الأيدي . بل بادرت الى الدفاع عن مصالح البلاد من خلال رفعها يوم الخميس 22/8 لدعوى قضائية أمام المحكمة الجنائية بباريس لمتابعة منظمة "القصص الممنوعة " ومن يسير في ركابها وكذا منظمة Amnesty International بتهمة التشهير و التشويه لصورة المغرب في الداخل والخارج و المس بسمعة المؤسسات الوطنية دون حجج ثابتة .
و يبدو أن للحديث بقية ..!!
محمد بوزفور .