خيبة الأمل عند النظام الجزائري بعد زيارة وزير خارجية اسبانيا ألباريس للمغرب

ظلت الصحافة تترقب وصول وزير الخارجية الإسباني “خوسي مانويل ألباريس” زوال يوم الأربعاء، إلى العاصمة المغربية الرباط، في زيارة خارج الوطن هي الأولى له، منذ تنصيب “بيدرو سانشيز” رئيسا للحكومة الإسبانية؛ والتي تتضمن “موريتانيا” و”السينغال” في جدول الأعمال، بعد المغرب.

فقد عاشت الحكومة الإسبانية تجربة ديمقراطية عسيرة، بعد أن أخرجها التمرين الانتخابي من عنق الزجاجة؛ غير أن الحكومة بقيت على حلتها، ما يؤشر على الاستمرارية في السياسة التي سطرتها لنفسها، منذ قدوم “سانشيز” على رأس الحكومة، عند تعيينه الأول.

فمن ضمن الخطوط العريضة التي رسمت في ملامح السياسة الإسبانية، كانت أدوار جديدة لإسبانية على المستوى الخارجي، فرضتها المتغيرات، خصوصا بعد “لبريكست” البريطاني، وتقزم دور فرنسا في الإتحاد الأوروبي، والتواجد القوي لألمانيا، بالإضافة للتحركات الإيطالية.

أما على المستوى الدولي، بزوغ نظام عالمي جديد، وبروز قوى إقليمية ودولية، من نظام أحادي القطب يقوده الغرب، إلى نظام متعدد الأقطاب في خريطة جيوسياسية أكثر أنانية؛ فيما تتسارع الدول للتكتل والاصطفاف في اللعبة الجديدة للعالم الجديد، بعد تنامي قضايا وأزمات دولية جديدة.

وفي ظل هذا المتغير، أضحت دول وقارات لها أهمية في العالم الجديد، بما فيها أسيا وأفريقيا التي ظهرت فيها قوى إقليمية، تواكب هذا المتغير وتقدم عرضا أكثر عقلانية، يقوم على المصلحة والتوازن، والتخفيف من التوترات؛ بل وفرضت نفسها على أساس إعادة ترتيب العلاقات وفق الخطوط المعاصرة، كما هو الحال بالنسبة للمغرب.

فالمغرب بما يقدمه من عرض مغري في المصالح الخارجية للنظام العالمي الجديد، بات محط تهافت دول العالم؛ إلا أنه فضل أولا إعادة ترتيب شروط العلاقات، عبر ما يمتلكه من وسائل للضغط، بما فيها الموقع الجغرافي كبوابة للعالم إفريقيا؛ وجعل مصالح المغرب شرطا للشراكة.

فالإسبان إلتقطوا الإشارة بعد أزمة “بنبطوش”، وعرفوا حجم المغرب، ووجدوا بأنه لا سبيل سوى التحالف مع المغرب كدولة عاقلة، وكواقع جغرافي فرضه القدر، بينما  لا مصلحة من الإضرار بمصالحه، لأجل شردمة من الكابرانات، يفتقرون لخطة الطريق وبدون خارطة دبلوماسية، تتعقد يوما بعد يوم.

وبعد الأزمة “الإسبانية المغربية” التي أدت إلى الفتور في العلاقات وتضرر مصالح الإسبان، لم تجد إسبانيا سبيلا سوى الرضوخ للطرح المغريي الأكثر حكمة؛ فكانت أول ضحايا السياسة الجديدة زلزال يضرب “أرانتشا غونثاليث” وزير الخارجية بطلة أزمة بنبطوش، مع تعيين “ألباريس” كوزير بديل لإصلاح ذات البين مع المغرب.

كما شكلت المناسبة فرصة لدعم مشروع الحكم الذاتي من قبل إسبانيا، كحل سياسي واقعي ومعقول، تعبيرا من الإسبان على فتح صفحة جديدة، وطي صفحة معاداة الوحدة الترابية للمغرب، من أجل إبرام شراكات إستراتيجية لصالح البلدين، بعد أن فهمت إسبانيا أن أي توتر في شمال أفريقيا، من شأنه تقويض مصالحها.

وعليه، أشر الموقف على فلسفة دبلوماسية جديدة لإسبانية، قوامها أن المغرب بلد جار وشقيق لا يشكل مصدر تهديد؛ أسست على إترها شراكة إستراتيجية، في اتفاقية تاريخية جمعت بين “سانشيز” والملك محمد السادس، خلال 7 أبريل 2022؛ تهم توطيد العلاقة، وفتح مرحلة جديدة، ثم تطابق المواقف في القضايا المشتركة.

وقد شكلت هاته الصفحة الجديدة في العلاقات المغربية الإسبانية صدمة في المرادية والعسكر الجزائري، الأمر الذي دفع الجزائر إلى الاحتجاج، ليظل منصب السفير بعدها شاغرا، لحفظ ما الوجه، إلا أن الجزائر تضررت داخليا لكونها لا تمتلك عناصر القوة والضغط؛ قبل أن يعود السفير الجزائر لإسبانيا بشكل أحادي محرج.

فالجزائر كانت تراهن على الانتخابات الإسبانية، على أساس أن القرب المغربي الإسباني خطأ ضد مصالح الإسبان، وأن صناديق الاقتراع ستعاقب الحكومة، في انتظار حكومة جديدة لتصحيح الخطأ، غير أن الصدمة اتضحت عند تجديد الثقة في حكومة “سانشيز”، وإبقاء “ألباريس” بطل تصحيح العلاقات مع المغرب على رأس الخارجية.

فالإشارة التي يمكن استخلاص، أن صناديق الاقتراع تبشر برضى على سياسة “سانشيز”، بما فيها القرب من المغرب، والثانية في تعيين “ألباريس” صديق المغرب تتويج لنجاحه، مما يؤكد على الاستمرار في نفس النهج مع المغرب، لتعزيز الشراكة الاستراتيجية.

بالإضافة إلى أن الملك في رسالة التهنئة الموجهة إلى “سانشيز”، أكدت على الثوابت التي أسستها عودة العلاقات، المبينة على “التوطيد” و”أفق جديد” و”تطابق المواقف”، والتي ظهرت جلية من خلال تطابق الموقف الإسباني مع المغربي في قضية غزة.

بالإضافة إلى أن “سانشيز” مطمأن بشأن العلاقات مع المغرب، خصوصا بعد أن تخلى عن الأعراف الدبلوماسية، التي طبعت العلاقات المتأزمة بين البلدين، بالتوجه للمغرب كأول بلد للزيارة، حيث تخلى عندها للاشتغال في قضايا معقدة، بعد ازدهار الشراكة مع المغرب.

وتجدر الإشارة إلى أن الشراكة الرياضية والثقافية، سجلت تطورا بعد اتفاق سجل في خضم فترة ما بين الانتخابات والزيارة، تؤكد على الدفع نحو توسيع الشراكة ذات بعد عالمي، خصوصا وأن المغرب وإسبانيا والبرتغال مقدمون على تنظيم كأس العالم 2030، في ملف مشترك يربط أفريقيا بأوروبا.

كما أن الشروط متوفرة بين البلدين، لإثارة بعض القضايا السياسية العالقة، وتعزيز النقاش حولها، لتحيين الاتفاقيات ذات الصلة بما هو سياسي وسيادي، بغية الوفاء بالإرادة الملكية لكلا البلدين، بشأن تدشين وتجسيد بناء علاقات جديدة متينة وصلبة.

فقدوم “ألباريس” للمغرب، ليست إلى زيارة روتينية، للوقوف على مستوى تقدم الشراكة؛ غير أن قصر المرادية يقيم جنازة خيبة الٱمل، بعد أن تكبد خسارة ديبلوماسية، إثر الصفعة الإسبانية في وجه العسكر الجزائري، بعد أن طال إنتظار أخبار من اسبانية غير منطقية.

فالأخبار التي كانت تتطلع إليها الجزائر، مفادها أن التقارب المغربي الإسباني ليس إلا مرحلة؛ بيد أن الإبقاء على نفس الحكومة ووزير الخارجية، وجدول أعمال الزيارة الخارجية للوزير، أثبتت عكس ما يتطلع له الجزائر، وأبانت على أن المغرب شريك إستراتيجي للإسبان.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *