المغرب الصناعي.. قصة تحول اقتصادي على مدى 26 عامًا

شهدت الصناعة المغربية خلال الخمسة والعشرين عاماً الماضية تحولاً جذرياً يُعد من أبرز قصص النجاح الاقتصادي في المنطقة.

فقد حققت الصادرات الصناعية قفزة هائلة، إذ تضاعفت ست مرات خلال هذه الفترة، لترتفع من 61 مليار درهم عام 1999 إلى 376 مليار درهم في عام 2023، وهو ما يعكس حجم التطور النوعي الذي عرفته هذه الصناعة في عهد الملك محمد السادس.

وقد انعكس هذا الأداء الاستثنائي على التصنيفات الدولية، حيث حصل المغرب على نتيجة 62.41 نقطة في تقرير “Business Ready” الصادر عن البنك الدولي لعام 2024، ما وضعه ضمن أفضل 50 اقتصاداً عالمياً في تصنيف “جاهزية الأعمال”.

كما تقدم بشكل ملحوظ في تصنيف ممارسة الأعمال، حيث احتل المرتبة 53 من بين 190 دولة في 2020، مقارنة بالمرتبة 128 في عام 2009.

استراتيجية متكاملة للإصلاح الهيكلي

هذا التقدم لم يأت من فراغ، بل كان ثمرة لاستراتيجية متكاملة بدأها المغرب منذ أكثر من عقدين، تركزت على تنفيذ إصلاحات هيكلية لتحرير الاقتصاد وتحسين مناخ الأعمال. وقد ترافقت هذه الجهود مع قفزة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي ارتفعت من 2.1 مليار دولار في 1999 إلى 3.6 مليارات دولار في 2019.

واستفادت هذه النهضة الصناعية من إصلاحات موازية على مستوى الإدارة وتعميم اللامركزية، من خلال إرساء سياسة الجهوية المتقدمة عبر إحداث 12 جهة إدارية جديدة بصلاحيات موسعة لتدبير الشؤون المحلية، مع زيادة المخصصات المالية للجهات، ما حفز الاستثمارات الداخلية.

الرؤية الملكية للنهضة الصناعية

في خطاب العرش بمناسبة الذكرى 26 لتوليه العرش، الثلاثاء 29 يوليوز، سلط الملك محمد السادس الضوء على هذه النهضة الصناعية قائلاً: “يشهد المغرب نهضة صناعية غير مسبوقة، حيث ارتفعت الصادرات الصناعية، منذ 2014 إلى الآن، بأكثر من الضعف، لاسيما تلك المرتبطة بالمهن العالمية للمغرب.”

وأضاف الملك أنه “بفضل التوجهات الاستراتيجية التي اعتمدها المغرب، تعد اليوم قطاعات السيارات والطيران والطاقات المتجددة والصناعات الغذائية والسياحة، رافعة أساسية لاقتصادنا الصاعد، سواء من حيث الاستثمارات، أو خلق فرص الشغل.”

وأكد الملك أن المغرب الصاعد يتميز “بتعدد وتنوع شركائه، باعتباره أرضاً للاستثمار، وشريكاً مسؤولاً وموثوقاً، حيث يرتبط الاقتصاد الوطني بما يناهز ثلاثة مليارات مستهلك عبر العالم، بفضل اتفاقيات التبادل الحر.”

شهادة خبير: رهان استراتيجي نجح

من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي إدريس الفينة في تصريح لجريدة بلبريس أن “الصناعة شكلت طيلة 26 سنة أحد المواضيع الأساسية في السياسة العمومية، المغرب راهن دائماً على تطوير القطاع الصناعي باعتبار أنه قطاع قادر أن يجعل نسب النمو تبقى مستمرة دائماً بشكل متصاعد، حتى ولو تعرض المغرب للجفاف والقطاع الفلاحي لم يعط القيمة المضافة التي كان يعطيها من السنة الأخرى.”

ويضيف الفينة: “هذا كان هدفاً استراتيجياً وهو أن يصبح قطاع الصناعة قطاعاً أساسياً وعمود فقري في الاقتصاد المغربي، وفعلاً نجح المغرب في تطوير عدد من الصناعات المتعددة التي تشكل اليوم العمود الفقري سواء للسوق الداخلي أو التصدير.”

قطاع السيارات: فخر المغرب

ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن “فخر المغرب اليوم لا في المغرب ولا في إفريقيا، هو قطاع السيارات سواء السيارات أو مكونات السيارات، بارتباط مع ميناء طنجة المتوسطي، وهو إحدى البنى التحتية المهمة في تطوير القطاع الصناعي، كذلك ميناء الدار البيضاء.”

تنوع صناعي واعد

لا يقتصر النجاح الصناعي المغربي على قطاع السيارات فحسب، بل يمتد ليشمل قطاعات متعددة. يوضح الفينة أن “عدداً من الصناعات التحويلية المرتبطة بالقطاع الفلاحي تطورت بشكل كبير، قطاع النسيج كذلك تطور بشكل كبير، كل ما هو مهن عالمية للمغرب.”

كما يلفت إلى قطاعات أخرى واعدة مثل “المساهمة في تركيب الطائرات وقطاع البتروكيماويات والقطاع الكيميائي المرتبط بتحويل جزء كبير من الفوسفات، حيث كان المغرب يصدر نسبة مهمة من الفوسفات بشكل خام، واليوم أصبح يصدره بشكل محول كأسمدة بشكل كبير.”

آفاق جديدة وقطاعات ناشئة

ويشير الخبير إلى دخول المغرب مجالات جديدة، قائلاً: “مؤخراً المغرب دخل مجالاً جديداً وهو قطاع الصناعات الدفاعية، وهذا سيخلق زخماً كبيراً في المستقبل.” كما يذكر “صناعة الأدوية التي هي فرع مهم للصناعة في المغرب، والتي يفتخر بها المغرب، وتشكل تقريباً 24% من الناتج الداخلي الخام في المغرب، وتشكل جزءاً كبيراً من صادرات المغرب.”

استقرار النمو ومناصب شغل جديدة

يخلص الفينة إلى أن “المستقبل مازال أمام هذا القطاع لخلق استقرار في النمو، وألا يبقى النمو الاقتصادي كما كان سابقاً يهتز من سنة إلى أخرى بفعل الجفاف. لاحظنا في السنوات الأخيرة أن هناك استقراراً في النمو الاقتصادي، وهذا شيء مهم كذلك على مستوى خلق مناصب الشغل، حيث أن قطاع الصناعة خلق عدداً كبيراً من مناصب الشغل في المغرب.”

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *