المشاورات السياسية المغربية-السعودية: نحو تعزيز الشراكة الاستراتيجية

انطلقت امس بالعاصمة السعودية الرياض النسخة الأولى من المشاورات السياسية السعودية المغربية، والتي ستبحث، على مدى يومين، عددا من القضايا الثنائية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك هذه المشاورات سياسية معمقة، تركزت حول العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية المتميزة بين البلدين وسبل ترقيتها الى مستوى طموحات البلدين، تجسيدا لإرادة القيادتين في البلدين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وتأتي هذه المشاورات بعد شهرين من انعقاد للجنة المشتركة المغربية السعودية رفيعة المستوى التي ستعقد في يونيو القادم بالرباط.

وتقوم العلاقات بين المملكة المغربية والسعودية على المستوى السياسي، على الاحترام المتبادل والتشاور والتنسيق المستمرين حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، كما تعد العلاقات الثنائية بين البلدين تاريخية ومتنامية عبر محطات مضيئة، إذ ترجع الروابط الأخوية بين البلدين إلى سنوات طويلة مضت، وترسخت عبر عقود من التعاون والتآزر بين قيادتي البلدين.

 

وواصلت العلاقات المغربية السعودية عقود من التعاون الوثيق على كافة المستويات والأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية، والتي تمتد جذور هذه العلاقات التاريخية بين البلدين منذ سنين طويلة، بما يدل على عمق العلاقة الوطيدة والأخوة العميقة والثقة المتبادلة التي تجمع البلدين، وتعززت العلاقات بين الجانبين عبر سلسلة من الزيارات المتبادلة بين قيادتي البلدين، والارتقاء بهذا التعاون إلى مرحلة التشاور السياسي الذي بات يطبع العلاقات بين البلدين،  والذي يتناول العديد من ملفات ذات اهتمام مشترك بالإضافة إلى عدة قضايا تهم المنطقة العربية وقضايا إقليمية ودولية.

وترتبط كل من المملكتين المغربية والسعودية بعلاقات راسخة، بحكم طبيعة العلاقات التاريخية الممتدة والمتواصل والتواصل الحضاري والإنساني الذي يجمع بين البلدين الشقيقين والاسرة الملكية بالبلدين، وتحتل العلاقات المغربية السعودية مكانة استراتيجية، تجعلهما في مسار للانطلاق معا نحو رؤية مشتركة، لمواكبات مختلفة التحولات التي يشهدها المحيط الإقليمي والدولي، إلى جانب رؤية القيادة السياسية في كلا البلدين لحجم التحديات التي تواجهه العالم العربي والإسلامي على كافة المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية وتبادل وجهات النظر بشأنها.

اتفاقيات متنوعة:

تنظم العلاقات المغربية-السعودية، عبر العديد من الاتفاقات ومذكرات التفاهم والبروتوكولات، التي تشمل التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة، والصناعة والطاقة والمناجم والاستثمار، والزراعة والسياحة، والصحة والرياضة، والجمارك والنقل البحري والفلاحة والتعاون الأمني والعسكري، فضلا عن قطاعات التعليم والثقافة والإعلام والرياضة.

إلى جانب التعاون في المجالات القانونية والقضائية، والرقابة الاقتصادية ومكافحة الغش التجاري وتجنب الازدواج الضريبي، والصيد البحري والموارد الطبيعية.

وعززت هذه الاتفاقيات العلاقات القوية بين البلدين ورسختها وارتقت بها من مرحلة التعاون الثنائي إلى الشراكة الاستراتيجية الطموحة الواثقة بتحقيق أهدافها ونجاح مشروعاتها.

المشاريع الاستثمارية المشتركة:

أن التنويع الاقتصادي وجذب الاستثمارات يشكل أحد أهداف رؤية 2030 للمملكة العربية السعودية، التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان سنة 2016، هذا البرنامج يولي أهمية خاصة لتعزيز علاقات التعاون بين المملكة ومحيطها العربي والإسلامي، فإن هذه الرؤية توفر إطارا ملائما لتفعيل الدور الاقتصادي المنوط بمجلس الاعمال السعودي - المغربي، لخلق الفرص الاستثمارية وتنمية التبادل التجاري.

ويعتبر المغرب من الوجهات الاستثمارية التي تلقى اهتمام رجال الأعمال السعوديين، فقد تم خلال السنوات الأخيرة إنشاء عدد من المشروعات الاستثمارية السعودية بالمغرب، وهذا راجع إلى جاذبية المغرب بالنسبة للمستثمرين، ومنحهم إمكانية توظيف أموالهم في قطاعات مختلفة، مثل القطاع السياحي وقطاع الخدمات والفلاحة، وغيرها من القطاعات الأخرى التي توفر فرص العمل والانتعاش الاقتصادي ، ومن أبرز الاستثمارات السعودية مشاركتها إلى جانب دول خليجية خلق صندوق سيادي مغربي، من خلال الصندوق المغربي لتنمية السياحة وشراكته مع الصناديق السيادية الأربعة في دول الخليج، عبر شركة «وصال»، التي تستثمر في مشاريع عقارية وسياحية ضخمة في الرباط والبيضاء وطنجة، بميزانية تناهز أربعة مليارات دولار، وهو ما سيعطي نفسا جديدا لهذه الاستثمارات. وقد تفضل الملك محمد السادس بالإشراف على التوقيع على الاتفاقيات المتعلقة بمشروع الدار البيضاء السياحي العقاري الضخم، وهناك أيضا المساهمة في مشروع تنمية ضفتي أبي رقراق الذي يعد مشروعا ماليا اقتصاديا وسياحيا في غاية الأهمية، إلى جانب مشروع مماثل في مدينة طنجة.

وتجدر الإشارة أن كل من الرباط والرياض تجمعهما أكثر من 80 اتفاقية وأزيد من 12 آلية قطاعية متعددة.

احترام سيادة الدول ووحدتها الترابية وسلامة الأراضي في العلاقات المغربية السعودية:

ولا يمكن الوقوف على عمق العلاقات المغربية السعودية، من دون تذكر وقوف المغرب بجانب السعودية في «عاصفة الحزم» التي انطلقت في 26 مارس 2015، لاستعادة الشرعية لليمن، حيث كانت المملكة المغربية أول من عبر عن وقوفها للامشروط مع السعودية في اليمن وقرار المغرب أن يقدم كل أشكال الدعم والمساعدة إلى التحالف من أجل المساهمة في حل الأزمة في اليمن وإعادة الشرعية لهذا البلد الشقيق بما فيها وضع القوات الجوية المغربية المتواجدة بالإمارات العربية المتحدة تحث تصرف التحالف.

وكان التحالف وثيقاً بين الدولتين في اليمن، عسكريا، وسياسيا... منذ انطلاق «عاصفة الحزم» قبل7 سنوات، وأسهمت القوات الجوية المغربية بشكل رئيسي، إلى جانب القوات السعودية في تأمين السواحل الغربية المطلة على البحر الأحمر، لاسيما أن المغرب كسب خلال حرب الصحراء تجربة طويلة في حرب العصابات والطلعات الجوية.

إلى جانب الموقف المغربي يظل الموقف المبدئي للمملكة العربية السعودية المتمثل في دعم وتأييد المبادرة التي تقدمت بها المملكة المغربية للحكم الذاتي ثابتا، ورفض المملكة العربية السعودية لأي مس بالمصالح العليا للمغرب أو التعدي على سيادته ووحدته الترابية، وعبرت المملكة العربية السعودية في محطات متعددة على الجهود التي تقوم بها المملكة المغربية من أجل ‏إيجاد حل سياسي واقعي لقضية الصحراء المغربية على أساس التوافق بناء على قرارات مجلس الأمن ‏ذات الصلة وتحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة، وتأكيد على دعمها لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية في إطار سيادة المغرب ووحدة ‏ترابه الوطني كحل يتطابق مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن والجمعية ‏العامة،

 

واصل قطار العلاقات المغربية- السعودية تقدمه إلى محطات تطوير التعاون بين البلدين ليصل إلى مستوى متميز حققت خلاله مكاسب معتبرة للجانبين وبلغت مدى كبيرا في الدفع بعجلة التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري والثقافي... بما يعكس الإرادة القوية لقيادتي البلدين في الدفع بها إلى مرحلة التحالف الاستراتيجي الحقيقي، هذه الديناميكية عززت من قوة البلدين على الصعيدين، الإقليمي والدولي.

وستشكل النسخة الأولى من المشاورات السياسية بين البلدين نقلة وإضافة لرصيد العلاقات الأخوية المتينة القائمة بين البلدين، وستعزز التنسيق والتفاهم المتبادل بين قيادتي الدولتين تجاه مستقبل وآفاق العلاقات الثنائية والارتقاء بها، وتجاه مختلف القضايا الثنائية والعربية والإقليمية والدولية الراهنة. وتطابق وتقاسم للرؤى حول كل القضايا ومسبباتها وحلولها.

أن العلاقات بين البلدين لها من المقومات ما جعلها تتمتع بالاستمرار والنمو والاستدامة، فقد طور قادة البلدين تعاونا قويًا راسخا على أعلى مستويات.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.