عبد المنعم خنفري: أصحاب البذلة السوداء حركة إحتجاجية بصبغة قانونية

من منطلق تحليل الحركات الاحتجاجية في المغرب تحليلا علميا، ليس باعتبارها ردات فعل جماعية على أوضاع سياسية واجتماعية معينة، وبطرائق غير عنيفة فحسب، وإنما بوصفها ظاهرة سوسيوسياسية تعبر عن يقظة شعبية و مجتمعية، تكرس الحق في التعبير عن الرفض والاختلاف، وبلورة مواقف تجاه قضايا مختلفة، وممارسة الضغط السلمي على السلطة في إطار المشروعية السلمية و العقلانية.
وفي هذا الصدد، كمدخل لما نورده من مقام المقال و لما

عرفته الأيام الأخيرة من شهر دجنبر 2021 و نحن نعد العدة لإستقبال سنة جديدة، حيث تميزت بظهور حركة احتجاجية قديمة جديدة تمثلت في نضالات جمعية هيئات المحامين بالمغرب و كذا فيدرالية جمعيات المحامين الشباب بالمغرب التي انتفضت على القرارات الأخيرة لوزير العدل لليوم الثامن على التوالي.
حيث أثار تنفيذ قرار إجبارية الإدلاء بجواز التلقيح لولوج محاكم المملكة، غضب المحامين وموظفي قطاع العدل في اليوم الأول من تنفيذه، في حد لحريتهم.      وفي هذا الصدد يتم استحضار ما قاله مونتيسكيو في كتابه روح القوانين "أن الحرية سوف تنهار وتزول اذا هيمنت سلطة واحدة على جميع السلطات الأخرى في الدولة".

وعرفت مختلف محاكم المملكة، وقفات رافضة لهذا القرار، ما دفع إلى تأجيل انعقاد العديد من جلسات الحكم.
وأكدت هذه الأخيرة على أن الحق في الولوج للعدالة وحق التقاضي حقوق أصيلة ودستورية وكل المواثيق والعهود الدولية نصت على ذلك، ولا يمكن انتهاك هذا الحق أو حرمان المواطن من ممارسته بواسطة منشور لأي جهة كيفما كان مركزها، ففرض جواز التلقيح للولوج للعدالة وللمحاكم شطط في استعمال السلطة وخرق سافر لحقوق الانسان وتحقير للدستور كما جاء على لسان العديد من المحاميات و المحامين
وقد لُوحظ جليا "الهاشتاك" الوسم المتداول في العديد من منصات التواصل الإجتماعي

#لا-لفرض-جواز-التلقيح-بالمحاكم
وهي إذا رسالة لمن يهمه الأمر، تتضمن مجموعة من الرسائل الرافضة لمثل هكذا قرارات إذ ترى هاته الأخيرة أنها تعسفية و مخالفة لحقوق الإنسان في كونيتها،
وعلى إثرها اجتمع عدد كبير من المحامين في اليوم الخامس من انطلاق الحركة الاحتجاجية من كل أنحاء المغرب في ساحة الشرف النضالية أمام محكمة النقض، في أول وقفة من نوعها في تاريخ النضال المهني بعدما عرفت جل المدن المغربية وقفات متفرقة للمحامين امام المحاكم.
رافعة صور الفقيدين الأساتذة سعيد شتاتو و أمين ايت حامد وفاء لروحيهما الطاهرتين،وعلى سبيل التذكير فالمحاميين أمين و سعيد توفيا على إثر حادثة سير في نفق كيش الأوداية قرب منطقة ولاد مطاع بتمارة بالقرب من مدينة الرباط صباح يومه الخميس 23 دجنبر، وهما بصدد السفر من أجل وقفة احتجاجية رافضة للمنع الصادر عن الدورية الثلاثية للسلط التنفيدية و القضائية من ولوج المحاميات و المحامين إلى محاكم المملكة بعلة جواز التلقيح في انتهاك لرسالة الدفاع.
في ظل كل هذه التطورات، على المستوى الوطني و مع ظهور حالات من المتحور الجديد أوميكرون الذي حل ببلادنا وتسجيل ارتفاع حالات الإصابة به نظرا لإنتشاره بسرعة كبيرة.
هل يمكننا الحديث على أنه تم اختيار توقيت مناسب و جيد للمعركة النضالية؟
مع العلم أن آخر بلاغ لجمعية هيئات المحامين بالمغرب الصادر بتاريخ 25 دجنبر أعلن فيه عن الاستعداد لخوض جميع الاشكال النضالية وفق برنامج مسطر دفاعا عن مواقفه المعبر عنها و دعوة جميع المحاميات و المحامين إلى الانخراط فيها بكل وعي و مسؤولية.
أم أن الحركة الاحتجاجية لأصحاب البذلة السوداء بمفهومها الدلالي و الواسع وضعت داخل و خارج المحاكم، المحامين في وضع حرج لا يحسدون عليه.
تبقى هذه كلها تساؤلات ستجيب عليها المحطات القادمة من الأيام ولا أعتقد أنها ستخرج على النطاق القانوني و العقلاني في اطار طرح حوارات ترضي الجميع.

عبد المنعم خنفري: كاتب رأي و باحث في العلوم السياسية


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.