-ماهو تعليقكم على الاحتجاجات المتواصلة للشارع الجزائري؟
إن أسباب استمرار رفض الشارع الجزائري لسلسلة الإجراءات المعلن عنها من لدن النظام، من قبيل مقترحات إلغاء بوتفليقة للإنتخابات، وتعيين لجنة وطنية بقيادة الأخضر الإبراهيمي، وتعيين وزير الداخلية في الحكومة المنتهية ولايتها وزيرا أولا، تم تعيين وزيرة الخارجية الأسبق نائبا له، وباقي الإجراءات يعتبرها الشارع الجزائري تحايلا عليه، والتفافا على المطالب الحقيقية في تغيير النظام. على اعتبار أن الشعب يرفض العهدة الخامسة كرمز لنظام يرفضه الشارع، ورفض لنظام غير شفاف تتحكم فيه خيوط رفيعة من خلف الستار، ولذلك كانت العهدة الخامسة فقط شعارا لتغيير النظام بمجمله، ولذلك كان الشارع في الجزائر يرفع باللغة الفرنسية شعار "النظام إرحل ".
-أمام قوة الانتفاضة الشعبية..ما هي المطالب المجمع عليها؟
الشعب الجزائري يرفض الإجراءات التي يقترحها بوتفليقة كونها غير قانونية، وغير دستورية، لأن الدستور الجزائري لا يتحدث عن إطالة أمد المدة الرئاسية، ولا يتحدث أيضا على إلغاء الانتخابات الرئاسية عن موعدها.
وحتى لو افترضنا أن المادة 107 من الستور الجزائري، التي تتحدث عن حالة الاستثناء، التي لم تتم، إعتبارا لكون القرار يقتضي أصلا التشاور قبل إعلانها، مع المؤسسات الدستورية كالمجلس الدستوري، والبرلمان، الذي ينبغي أن يجتمع بغرفتيه، ويصوت على حالة الإستثناء، وفقا للمادة ذاتها. والنظام غفل كل هذه التدابير، وغفل معها إعلان حالة الاستثناء طبقا للدستور.
وبالتالي فمقترحات بوتفليقة كلها محاولة فوق القانون، وكلها هروب إلى الأمام، من خلال مطالبته بانتخابه لمدة محدودة، في أقل من سنة، وتقديمه وعود بتغيير الدستور، وعدم الترشح مرة أخرى، وهو ما يجعل من طلبه خارج القانون بتمديد الولاية الرابعة إستغباء للشعب وللنخبة السياسية الجزائرية.
لذلك خرج الشارع الجزائري منذ أسبوع، والإضراب لا يزال يشل مجموعة من المرافق، منها ميناء بجاية الذي يعرف إضرابا عاما يشل حركته، بالإضافة إلى العديد من المؤسسات، من بينها مؤسسات إستراتيجية من قبيل صوناطراك، استمرارا لرفض الإجراءات التي يقترحها بوتفليقة لعدم دستورياتها، وتعتبر تحايلا علي المطالب الشعبية.
-وما هو موقع نظام بوتفليقة وفق القانون الدستوري الجزائري ؟
نظام بوتفليقة وضع نفسه في مأزق من خلال إلغاء الجهة الحقيقية الحاكمة في الجزائرللانتخابات دون انتظار ما يمكن أن يصرح به المجلس الدستوري، اعتبارا للموعد المحدد كآخر أجل للحسم في لائحة الترشيحات للانتخابات الرئاسية. اذ سبق الإلغاء هذا الموعد بيومين، وهو ما جعل جميع المؤسسات في مأزق.
والمفروض هو أن يعلن المجلس الدستوري على أن قرارات الرئيس غير دستورية ..، هذا لو كنا في دولة تحترم الموسسات وتحترم القانون ..، والنظام حاليا وضع في وضعية غير دستورية، قد تفتح الباب أمام انزلاقات دستورية على مستوى المؤسسات، بما فيها مؤسسة الجيش، وانزلاقات غير دستورية في الشارع على المستوى الأمني كذلك.
إستدراك الأمر، لا يكمن في التراجع عن هذه الإجراءات والعودة، لما ينص عليه الدستور، والعودة إلى المجلس الدستوري، كون الدستور الحالي لا يسمح بإلغاء الإنتخابات، وما بقي من احتمالات بالإعلان بتوافق بين الأحزاب، خاصة منها المعارضة عن خارطة طريق بآجال محددة تسمح للمعارضة بتشكيل هيئة تأسيسية لوضع الدستور، بعيدا عن مقترح بوتفليقة لشخصيات تابعة للنظام الحالي، كالأخضر الابراهيمي، الذي يعتبر إبن النظام، ووزير سابق، وواحد من أقطاب النظام الحالي.
وبالإضافة إلى الإبراهيمي، الذي قد تكون له يد نظيفة دوليا، من خلال توليه مسؤولية المبعوث الأممي في عدة قضايا، من قبيل العراق وسوريا ولبنان وأفغانستان، فنفس الشيئ بالنسبة لنور الدين بدوي الذي عين وزيرا أولا، بعد تدرجه في مختلف مناصب الداخلية محليا ومركزيا، قبل تقديمه كأنه رجل الإنتقال والإجماع، وهو غير ذلك، ونفس الشيء أيضا بالنسبة للعمامرة، الذي عين نائبا للوزير الأول، ووضعه في المرتبة الثانية كي يحتفظ به كورقة للرئاسيات ينبغي تفادي إحراقها في الانتخابات الحالية.
وكل هذه الإجراءات لا تعبر عن الرغبة في الانتقال الديمقراطي، الذي ينبني على شروط تقتضي خلق هيئة تأسيسية تكون فيها المعارضة حاضرة بقوة، ويتم اختيار من يترأسها من لدن الأحزاب، دون أن يفرض عليهم من لدن رئاسة الجمهورية، لإعداد جدولة زمنية حول الدستور، قبل عرضه على الإستفتاء العام، وغياب هذا المنطق يجعل الجزائر في مأزق دستوري، قد يؤدي لانزلاقات أخطر لا قدر الله في هذه البلد.
- بوتفليقة إذن بين مطرقة التراجع وسندان الوقوع في المحظور بخرقه للدستور؟
نظام بوتفليقة الآن في وضعية شرود دستوري، وفي مأزق دستوري، فإذا هو تراجع عن هذه الإجراءات، فالوقت قد مر ، وتجاوز الآجال القانونية للإعلان عن لوائج الترشيحات. وهو ما يعقد خروجه من هذا المأزق، خاصة أنه إذا تراجع فسيقع في المحظور، ويترشح للعهدة الخامسة، وهو ما يرفضه الشارع جملة وتفصيلا .. وإذا ما لم يتم التراجع لتمديد العهدة الرابعة، وهو ما لا يتحدث عنه الدستور ، بالإضافة إلى حالة الاستثناء، التي تقتضي حل جل المؤسسات الدستورية في حالة وقوع خطر يهدد أمن وسلامة واستقلال الجزائر، لم تقع، كي يتدخل الجيش لبسط سيطرته على الوضع، وهذا الوضع سيدخل البلد في دوامة أخرى.
- وما هو الحل في نظركم؟
الجزائر الآن في مأزق دستوري لا مخرج له سوى إذا اتفقت جميع الأطياف السياسية حول هيأة انتقالية وحكومة وحدة وطنية، غير خاضعة لأقطاب للنظام، وغير خاضعة للجيش، وغير خاضعة لجبهة التحرير الوطنية التي هي الحزب الحاكم.
وموازة مع هذه حكومة الوحدة الوطنية يقتضي الأمر إحداث ما يسمى الهيأة التأسيسية لصياغة الدستور الجديد، وغير ذلك سيدفع البلاد إلى مزيد من الاحتقان ومزيد من الإنزلاقات الخطيرة.
-هل يمكن لأحداث الجزائر أن تؤثر على الأوضاع في المغرب؟
من المؤكد أن أي تغيير في الجارة الشرقية ستكون له آثار إيجابية أو سلبية، حسب نوع هذا التغيير وحجمه، إعتبارا لكوننا نشترك معهم في نحو 1800 كلم من الحدود البرية والبحرية.
ويجب اتخاذ الاحتياطات اللازمة في حالة تحقق السيناريو الأسوأ، مثل تدخل الجيش، كما وقع في التسعينيات في الجزائر، أو كما يقع الآن بسوريا واليمن، مما سينجر عنه لا قدر الله موجات بشرية من الهجرة وعبور الجماعات المسلحة والأسلحة.
في المقابل فإن تغيير النظام العسكري في الجزائر ستكون له انعكاسات إيجابية على طي الصراع الإقليمي بالصحراء بطريقة أو بأخرى.
ويمكن أن يكون هناك محاور منتخب ديمقراطيا يمكن أن نجد معه قواسم مشتركة من أجل الحوار، واي نظام ديمقراطي سيدافع عن بلده ووطنه ونحن نعرف كم هي تكلفة هذا الصراع من حيث السباق نحو التسلح أو نحو تعطيل المبادلات البينية بين البلدين، وأي تغيير نتوقع أي يكون إيجابيا على القضية الوطنية بهذه الدرجة أو تلك. ونحن نتذكر موقف الرئيس المغتال محمد بوضياف من خلال موقفه من الانفصاليين ورفض استقبالهم.
وإذا تحقق أي انتقال ديمقراطي في الجزائر، فمن شأنه إستئناف بناء الاتحاد المغاربي المعطل منذ نحو ثلاثين سنة، بالإضافة إلى أن أي تغيير ديمقراطي سيسمح ببناء بلدان الاتحاد وسيسمح بالإندماج الاجتماعي والسياسي بين البلدين وتحقيق الإقلاع الاقتصادي الذي تنتظره المنطقة منذ ستين سنة، بسبب تعنث الجنرالات، وعقيدة العداء التي كرسها هؤلاء ضد المغرب وضد وحدته.