احتضنت الرباط، اليوم الاثنين 24 نونبر 2025، ورشة وطنية خصصت لتعزيز حكامة وبرمجة “مدارس الفرصة الثانية” (E2C) وإرساء شراكات أقوى بين الفاعلين العموميين والقطاع الخاص والمجتمع المدني، باعتبارها آلية محورية لمحاربة الهدر المدرسي وتحسين إدماج الشباب غير المتمدرسين وغير المشتغلين وغير الملتحقين بأي تكوين (NEET).
وضمت الورشة، المنظمة بشراكة بين وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة والمنظمة الدولية للشغل، وبدعم من الاتحاد الأوروبي، حوالي خمسين فاعلا من مؤسسات حكومية، مقاولات، جمعيات، إضافة إلى ممثلين عن مصلحة التوظيف العمومية الكتالونية بإسبانيا (SOC)، في إطار برنامج Y-NEET الهادف إلى تحسين أوضاع الشباب في دول الجوار الجنوبي.
رهان حكومي لتوسيع نموذج E2C ومواجهة الهدر المدرسي:
في هذا السياق، أكدت وزارة التربية الوطنية، خلال الجلسة الافتتاحية، أن تعزيز “مدارس الفرصة الثانية” يشكل أحد أعمدة تنفيذ خارطة الطريق الوطنية للإصلاح التربوي، عبر توفير مسارات بديلة للشباب المنقطع عن الدراسة وتمكينهم من اكتساب مهارات أساسية ومهنية، بما يرفع فرص إدماجهم في سوق الشغل أو العودة لمسار التعليم والتكوين.
![]()
وسلطت المداخلات الضوء على التجارب الميدانية للمؤسسات الشريكة والجمعيات المسيرة لهذه المدارس، والتي أبرزت قيمة القرب من الشباب، والقدرة على تكييف البرامج، وتقديم مواكبة بيداغوجية ونفسية موجهة، مما يسهم في استعادة ثقتهم وتحسين قابليتهم للتعلم والانخراط.
القطاع الخاص.. الحلقة الغائبة في مسار الإدماج:
برز خلال النقاش ضعف انخراط القطاع الخاص في نموذج مدارس الفرصة الثانية، رغم توقيع اتفاقيات سابقة مع الفاعلين الاقتصاديين.
حيث أكد المشاركون أن غياب رؤية واضحة لدى المقاولات حول قيمة هذا النموذج، وترددها في تشغيل شباب بدون شهادات معتمدة، يحد من فرص التدريب والإدماج.
![]()
كما تم التنبيه إلى غياب إطار قانوني رسمي يعترف بمدارس الفرصة الثانية ومواردها البشرية، مما يضعف قدرتها على إصدار شهادات معترف بها أو الاستفادة من التمويلات الضرورية لتطوير العرض التكويني.
حوكمة غير متجانسة وتفاوت بين الجهات:
وكشفت الورشة أيضا عن تفاوت كبير بين المدارس من حيث الموارد والبرامج، وضعف التنسيق الجهوي وتحديد الأدوار بين الوزارة والجمعيات والشركاء المؤسساتيين، إذ أجمع الحاضرون على الحاجة إلى إطار وطني موحد للحكامة يضمن توحيد الرؤية وتقوية الأداء.
![]()
وبالرغم من النتائج الإيجابية المسجلة على المستوى الاجتماعي من قبيل تعزيز الثقة بالنفس وتحفيز الشباب على العودة لمسار التكوين ، فإن الأثر على مستوى الإدماج المهني ما يزال محدودا وغير متجانس بين المراكز، في ظل انتشار عروض شغل غير مهيكلة وضعف الاعتراف بالكفاءات المكتسبة داخل هذه المدارس.
توصيات لإعادة هيكلة نموذج E2C:
في المقابل خرجت الورشة بعدة أولويات لرفع أداء المدارس، أبرزها: تعزيز انخراط القطاع الخاص في بلورة مسارات التكوين وتوفير فرص التدريب والإدماج، تحسين خدمات التوجيه والمواكبة لضمان استمرارية المسار المهني والتعليمي للشباب، وإرساء شراكات مؤسساتية دائمة تعزز حكامة وتناسق النموذج على المستوى الوطني.
كما شكلت الورشة مناسبة لإطلاق حوار موسع بين الفاعلين العموميين والخواص والجمعيات حول سبل هيكلة شراكات مستدامة، وتعزيز دور مدارس الفرصة الثانية كرافعة فعلية لمواجهة البطالة في صفوف.
حساين أوجور يشرح آليات إدماج الشباب خارج المدرسة في السوق المهني:
على ضوء الورشة أوضح حساين أوجور، مدير التمدرس الاستدراكي والمدرسة الدامجة، أن ورشة الرباط جاءت لتطرح سؤالا مركزيا يتعلق بكيفية بناء تعاون فعال بين المؤسسات العمومية والقطاع الخاص والجمعيات، بهدف توفير مسارات تكوين وتأهيل ميداني للشباب المنقطع عن الدراسة، بما يضمن لهم إدماجا مستداما داخل سوق الشغل.
وقال أوجور إن نموذج “الفرصة الثانية” يشكل اليوم إحدى الآليات الأكثر نجاعة لاستعادة الشباب غير المتمدرسين لمسارهم التربوي والمهني، مبرزا أن المغرب يتوفر حاليا على حوالي 222 مركزا تقدم خدماتها لقرابة 17 ألف مستفيد سنويا.
وأشار إلى أن هذه المؤسسات تحقق نسب إدماج مهمة، إذ يصل معدل إعادة إدماج المستفيدين في التعليم النظامي أو التكوين المهني أو سوق الشغل إلى حوالي 70 في المائة.
وأضاف المتحدث أن الرهان المطروح اليوم يتمثل في إشراك القطاع الخاص بشكل مبكر في جميع مراحل المسار، بدءا من استقطاب الشباب، مرورا بالتكوين والتداريب الميدانية، وصولا إلى عرض فرص تشغيل حقيقية تضمن الاستقرار المهني.
وأكد أن تعزيز هذا الانخراط سيشكل عامل تحول في أداء المدارس، عبر ربط برامجها مباشرة بحاجيات النسيج الاقتصادي، وتمكين الشباب من كفاءات عملية مطلوبة في سوق الشغل.
حليم حمزاوي: الفرصة الثانية طريق لإعادة تأهيل الشباب المنقطع عن الدراسة
من جانبه، اعتبر حليم حمزاوي، مدير مكتب منظمة العمل الدولية بالمغرب العربي، أن “مدارس الفرصة الثانية” تعد ركيزة أساسية في إعادة تأهيل الشباب الذين وجدوا أنفسهم خارج منظومة التعليم والتكوين والعمل، مؤكدا أنها تمنحهم فرصة حقيقية للعودة إلى مسار التنمية الشخصية والمهنية.
وأضاف حمزاوي أن قوة هذا النموذج تكمن في قدرته على المواءمة بين حاجيات سوق الشغل، خصوصا في القطاعات التي تعاني خصاصا في اليد العاملة، وبين إمكانيات الشباب واستعداداتهم، من خلال وضع برامج تكوينية موجهة وملائمة لاحتياجاتهم.
وشدد على أن هذه المدارس تعمل وفق مقاربة شمولية تجمع بين التأهيل الأكاديمي والدعم النفسي-الاجتماعي وتطوير المهارات المهنية، ما يجعلها منصة متكاملة للانتقال نحو الإدماج المهني.
كما أكد أن تعزيز التعاون مع القطاع الخاص سيمنح هذا النموذج دفعة قوية، من خلال فتح مسارات تدريب وتشغيل تستجيب لمتطلبات السوق وتسهم في محاربة البطالة وسط الفئات الشابة.