تواجه عدد من العائلات بإقليم أسفي محنة حقيقية مع مرض فلذات أكبادهم من شتى الأمراض الناجمة عن مضاعفات بيئة ملوثة وسامة.
عندما يكون لديك طفل أو رضيع يعاني من مرض الحساسية وصعوبة التنفس، أوغيرها من الأمراض اللعينة التي تمس الجهاز التنفسي، فتلك هي المأساة. تعيش هذه الأسر رحلة قاسية بين متاهة المستشفيات العمومية التي تفتقد للإمكانيات الطبية اللازمة لمتابعة هذا النوع من الحالات، دون أن ننسى ما تعرفه هذه المستشفيات من فساد ورشوة وزبونية وفوضى عارمة. إننا نتحدث هنا عن مستشفى بعينه وهو مستشفى محمد الخامس بأسفي، الذي أصبح نقطة سوداء مستعصية على الحل.
وأيضا بين متاهة عيادات القطاع الخاص، حيث الأثمنة جد صاروخية لتلقي العلاج وإجراء الفحوصات والعمليات الجراحية اللازمة. هذا مع العلم أن الغالبية العظمى من المواطنين في هذه المدينة المغبونة، تعاني الفقر والهشاشة وصعوبة الولوج للعلاجات الأساسية.
أما بالنسبة لنظام "راميد" فهو لا يوفر كل العلاجات الضرورية، إضافة إلى كونه أصبح يعرف عجزا متواصلا في الميزانية واللوجيستيك والمعدات مما يساهم في تأخير مواعيد المرضى. وهذا باعتراف وزير الصحة. حيث أن هذا النظام يحتاج لضخ مزيد من الأموال وإعادة تقييم أدائه كليا.
قضية الأمراض الناجمة عن التلوث قضية جديدة قديمة، يعاد النقاش حولها كلما وقع تسرب للغازات السامة من إحدى معامل المركب الشريف للفوسفاط، المهددة لصحة الساكنة وهناك حالات كثيرة وقعت سابقا كانت أثارها شبه كارثية، حيث تكدست أقسام المستعجلات بالمصابين.
يجب أن نعترف أن البيئة المحيطة بأسفي يقع تدميرها فشيئا فشيئا وبشكل عبثي. والأمراض العويصة التي تمس كل الفئات تزداد بشكل مخيف. ولا توجد لحد الساعة دراسات علمية دقيقة، شفافة، ومتاحة للتداول لدى الرأي العام.
ويمكن لأي ملاحظ بسيط ومحايد أن يقف على هذا الوضع المفجع. الفوسفاط يسجل نموا مهما في السوق العالمية، ومؤسسة المكتب الشريف للفوسفاط تستثمر وتخلق شركات في كل أنحاء العالم، أما في أسفي فهي تلجأ للأسف الشديد إلى مقاربة احسانية محدودة و متجاوزة، من خلال استمالة بعض الأسر المعوزة بقفة رمضان وبعض الأكباش ، يستفيذ منها وسطاء انتهازيون في غالب الأحيان، وهم في وضع اجتماعي مريح وليسوا بحاجة لدرهم واحد. أما على مستوى العلاقة مع ما يسمى تعسفا "بالمجتمع المدني"،
فهي تلجأ إلى مد جسور التواصل مع جمعيات صورية انتفاعية لا تمثل المجتمع "المريض"، ولا العائلات التي تكتوي بنار الألم، ولا كل أولائك الذين تضرروا بشكل مباشر من التلوث، والقحط الذي أصاب الأرض والحيوان. وذلك عبر تنظيم لقاءات دورية شكلية وبائسة وبدون مضموني حقيقي، ولا تسفر عن إجراءات ملموسة لصالح البيئة والإنسان، بل فقط تتكرر كل سنة بدون جدوى تذكر، وتنتهي بعد أن يملأ شهود الزور بطونهم بأشهى المأكولات والمشروبات ، هؤلاء الانتهازيون هم أشبه بأثرياء الحرب.
أليس هذا قمة العبث واللامسؤولية؟
هذه السياسة فاشلة وظالمة، ويوميا تتزايد مساحة النقم والغضب إزاءها في مدينة أصبح قدرها هو أن يأكل الغريب رزقها، وتظل هي تراقبه في وجع ..
أما سياسة التشغيل والتنمية الاجتماعية، فتلك قصة موجعة لابد أن نعود لها لاحقا..