قدّم الحزب الاشتراكي الموحد، خلال ندوة صحفية بمقره بالدار البيضاء، مذكرته الإصلاحية المتعلقة بالانتخابات التشريعية المقبلة، حيث تضمنّت سلسلة من الإجراءات التي وصفها الحزب بالضرورية لإعادة بناء الثقة بين المواطن والمؤسسات، وضمان نزاهة العملية الانتخابية بما يجعلها مدخلا لمسار ديمقراطي حقيقي.
وأكد الأمين العام للحزب، جمال العسري، أن الإشراف الحصري لوزارة الداخلية على الإنتخابات لم يعد مقبولا بعد مرور أكثر من ستة عقود من التجربة السياسية في المغرب.
واعتبر أن هذا النموذج أفرز اختلالات عميقة، سواء على مستوى ضعف المشاركة الشعبية أو على مستوى الطعون في نزاهة الاقتراع.
وأشار العسري إلى تجارب بلدان الجوار، مثل تونس والجزائر، التي أنشأت هيئات مستقلة تشرف على الإنتخابات بشكل كامل، مبرزا أن المغرب في حاجة ماسة إلى تبني هذا النموذج لإعادة الثقة في صناديق الاقتراع.
وشدد الحزب على ضرورة إحداث هيئة وطنية مستقلة تتولى تنظيم العملية الانتخابية من بدايتها إلى نهايتها، على أن تضم قضاة وشخصيات مشهود لها بالكفاءة والنزاهة، إلى جانب ممثلين عن الأحزاب السياسية والنقابات والهيئات الحقوقية، مع منحها صلاحيات واسعة لتأمين حياد العملية الانتخابية وشفافيتها.
ومن بين مقترحات المذكرة، دعا الحزب إلى اعتماد التسجيل التلقائي في اللوائح الانتخابية عبر البطاقة الوطنية، عوض الصيغة الحالية التي يعتبرها غير منصفة، وتنظيم حملات وطنية شاملة لتعميم هذا الإجراء في المدن والقرى والمناطق الهشة. كما طالب بإعادة النظر في التقطيع الانتخابي بما يضمن عدالة التمثيل وعدم إقصاء الفئات الضعيفة أو المناطق الأقل كثافة سكانية.
وفي ما يخص تمويل الحملات، اعتبر الحزب أن جمع الدعم العمومي في غلاف مالي واحد يفتح الباب أمام سوء التدبير. لذلك أوصى بتقسيم الدعم إلى شقين: الأول مخصص لتغطية تكاليف الحملات الانتخابية، والثاني موجّه لتسيير الهياكل الحزبية وضمان استمراريتها، مع فرض رقابة صارمة من المجلس الأعلى للحسابات، ومنع أي تمويل مشبوه. كما دعا إلى إحداث خلية أمنية متخصصة في الجرائم الانتخابية، تكون مهمتها التصدي لشراء الأصوات والتلاعب بالنتائج، مع فرض عقوبات رادعة تصل إلى إلغاء نتائج الدوائر التي يثبت فيها التزوير.
وفي إطار تعزيز الشفافية، اقترحت المذكرة رقمنة شاملة لمسار الإنتخابات ، من التسجيل إلى إعلان النتائج، وتمكين مغاربة العالم من التصويت الإلكتروني والمشاركة في صناعة القرار السياسي بشكل مباشر. كما شددت على ضرورة نشر النتائج بشكل علني وفوري عبر المنصات الرسمية لقطع الطريق أمام أي تأويل أو تشكيك.
ولم تغفل المذكرة جانب تمثيلية الفئات المهمشة، حيث دعت إلى تخصيص 12 مقعدا وطنيا للأشخاص في وضعية إعاقة، وخفض سن الترشح والمشاركة إلى 18 سنة، وضمان حضور أكبر للنساء والشباب، إضافة إلى إشراك فعلي للجالية المغربية المقيمة بالخارج من خلال دوائر انتخابية خاصة بهم. كما أوصت بفرض شرط التوفر على شهادة الإجازة كحد أدنى لتحمل المسؤوليات في مكاتب البرلمان ولجانه، معتبرة أن رفع مستوى الكفاءة التعليمية شرط أساسي لرفع جودة الأداء التشريعي والرقابي.
وربط الحزب نجاح هذه الإصلاحات بتهيئة مناخ سياسي جديد، يقوم على إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، ووقف المتابعات ضد الصحفيين والمدونين، وضمان حرية التعبير والإعلام والتنظيم النقابي والسياسي، إلى جانب إشراك المجتمع المدني في النقاش العمومي حول هذه الإصلاحات. وأكد أن الانتخابات المقبلة يجب أن تشكل لحظة مفصلية لإعادة الثقة بين المواطن والدولة، وفتح صفحة جديدة تؤسس لمسار ديمقراطي حقيقي في المغرب.