“الطرق تتآكل”… والبرلمان يملأ الفراغ بصخب انتخابي

في وقت يفترض فيه أن تكون قبة البرلمان مغلقة في عطلتها الصيفية إلى غاية الثاني من أكتوبر، تحوّلت مكاتب بعض البرلمانيين إلى منصات حملة انتخابية مبكرة، حيث انهالوا على وزير التجهيز والماء، نزار بركة، بعشرات الأسئلة الكتابية، معظمها يتعلق بحالة القناطر والمنشآت الطرقية الآيلة للسقوط.

لكن خلف هذا “الاهتمام المفاجئ” بالبنية التحتية، يقرأ مراقبون محاولات استباقية لركوب موجة القلق الشعبي، وتحويلها إلى رصيد انتخابي، دون التطرق إلى جوهر المشكل الحقيقي: الفساد وغياب المحاسبة.

الأسئلة البرلمانية كشفت أن أكثر من 500 منشأة فنية عبر المملكة توجد في حالة متدهورة، بينها 244 قنطرة ضيقة و45 أخرى ذات حمولة محدودة، ما يجعلها غير قادرة على استيعاب التطور الكبير في عدد العربات وأوزانها. هذا التآكل الطبيعي للمنشآت بات يهدد سلامة المواطنين، ويؤثر بشكل مباشر على انسيابية السير، خصوصاً في المناطق ذات الكثافة المرورية.

ولا يقف الأمر عند القناطر، بل يمتد إلى حالة الطرق الوطنية، التي تشهد بدورها تدهوراً مقلقاً. إذ تشير المعطيات الرسمية إلى أن نسبة الطرق التي كانت تصنّف بين “الجيدة والمتوسطة” تراجعت من 66% سنة 2000 إلى 12,7% فقط في 2025. وهو تراجع يُظهر بوضوح فشل سياسات الصيانة والتأهيل، في ظل الميزانيات الهزيلة المرصودة لهذا القطاع الحيوي.

ووفقاً لدراسات تقنية، فإن الشبكة الطرقية تحتاج إلى 3,5 ملايير درهم سنوياً لضمان صيانة منتظمة وفعالة. لكن الميزانية الحالية للوزارة لا تتجاوز ملياري درهم، ما يعني وجود عجز سنوي بنحو 1,5 مليار درهم، وهو ما يُساهم في تسريع وتيرة التدهور.

في المقابل، تشير بيانات وزارة التجهيز والماء إلى تخصيص 140 مليون درهم فقط لمعالجة النقط السوداء ببعض المحاور الطرقية، و124 مليون درهم لتحسين مقاطع من الطريق الوطنية رقم 9 الرابطة بين مراكش وورزازات على طول 64 كيلومتراً. وهي أرقام توضح عمق الفجوة بين حاجيات الصيانة والاعتمادات المرصودة.

لكن وسط هذا الوضع المقلق، يتفادى البرلمانيون طرح السؤال الجوهري: لماذا فشلت السياسات السابقة؟ وأين ذهبت ميزانيات السنوات الماضية؟ بل الأدهى من ذلك، أن ملف الفساد في قطاع التجهيز شبه مغيّب تماماً في هذه الأسئلة، رغم الإشارات القوية التي وردت في تقرير والي بنك المغرب، والذي دعا بشجاعة إلى مواجهة الفساد وتفكيك اقتصاد الريع، باعتبارهما أصل الداء التنموي في المغرب.

مصادر من داخل الوزارة عبّرت، في تصريحات غير رسمية، عن الضيق من الصمت السياسي المريب تجاه اختلالات الصفقات العمومية في القطاع، وغياب أي إشارات صريحة من الحكومة أو البرلمان إلى نية واضحة في فتح هذا الملف.

أصوات من داخل البرلمان نفسها حذّرت من أن التعامل مع قضايا الفساد يبدو سطحياً وموسمياً، وكأن الأمر يتعلق بحالات معزولة، وليس منظومة مترابطة تشل فعالية الدولة وتُفشل المشاريع.

ووسط هذا الواقع المتشابك، يطرح سؤال محوري نفسه بإلحاح مفاده: هل ستكون انتخابات 2026 محطة لتجديد الثقة في الكفاءات القادرة على معالجة جذور الأزمة، أم مناسبة لتدوير نفس الوجوه التي تحوّل معاناة الطرق إلى شعارات انتخابية جوفاء؟

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *