تقرير : جبهة البوليساريو من الإنفصال إلى الإرهاب

في ظل التحولات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة الساحل والصحراء، تتعزز القناعة الدولية يوماً بعد يوم بأن جبهة البوليساريو لم تكن في يوم من الأيام سوى واجهة إرهابية تخدم أجندات إقليمية ودولية مشبوهة، وعلى رأسها النظام العسكري الجزائري ونظام الملالي في إيران. هذه الجماعة التي تأسست في مناخ الحرب الباردة، تحت ذريعة "تقرير المصير"، باتت اليوم مكوناً خطيراً من مكونات الفوضى الأمنية العابرة للحدود، تُستعمل كورقة ضغط لتخريب الاستقرار الإقليمي وابتزاز الدول، وعلى رأسها المغرب.

 

خطوة سوريا الجديدة: القطيعة مع الوهم وبداية لتصحيح المسار

 

التحول اللافت الذي عبّر عنه الحزب السوري الحر في دعوته لتصنيف بوليساريو ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية المحظورة، ليس مجرد موقف رمزي، بل يعكس إعادة تموضع استراتيجي لسوريا الجديدة تجاه الخريطة الأمنية والسياسية في المنطقة. الاعتراف بمغربية الصحراء، الذي دعا إليه الحزب، ليس فقط موقفاً سيادياً، بل مدخلاً لعلاقات طبيعية مع المغرب، الدولة ذات الثقل الإقليمي والتي تشكل محوراً للاستقرار ومحاربة الإرهاب في إفريقيا.

الطرد النهائي لممثلي البوليساريو من الأراضي السورية، واعتبارهم امتداداً للحرس الثوري الإيراني، يقطع آخر خيوط التواطؤ الذي غذّاه نظام بشار الأسد لعقود، خدمة لأجندة إيران وحلفائها، وعلى رأسهم النظام الجزائري الذي موّل، وسلح، وغطى سياسياً هذه الميليشيا المسلحة.

الدعم الإيراني والجزائري: تحالف الشرّ في الساحل

البوليساريو اليوم ليست مجرد "حركة تحرر" كما يدّعي النظام الجزائري، بل أصبحت ذراعاً متقدمة لإيران في شمال إفريقيا، وتتشابك في شبكة واحدة مع حزب الله اللبناني، ومنظمات التهريب والإجرام العابر للحدود. الأدلة كثيرة ومتواترة حول عمليات نقل الأسلحة والتدريب العسكري التي تُجرى عبر الجزائر ومخيمات تندوف، بتحالف صريح مع الحرس الثوري الإيراني.

هذا الدعم لم يعد يهدد فقط المغرب، بل يشكل خطراً داهماً على منطقة الساحل برمتها، التي تشهد تنامي التوترات بسبب انتشار الجماعات الإرهابية، وارتباط البوليساريو ببعضها، بما في ذلك “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” و"داعش الصحراء الكبرى". هكذا أصبح هذا التنظيم الانفصالي أداة تقويض لأي مشروع لبناء الدولة أو السلم في المنطقة.

مشروع قانون الكونغرس الأمريكي: بداية لكشف القناع

إعلان السيناتور الجمهوري جو ويلسون عن تقديم مشروع قانون لتصنيف البوليساريو تنظيماً إرهابياً يمثّل لحظة مفصلية في مسار هذا النزاع. بدعم من النائب الديمقراطي جيمي بانيتا، يؤكد المشروع أن الولايات المتحدة بدأت فعلاً تعيد تقييم طبيعة البوليساريو، ليس فقط باعتبارها طرفاً في نزاع سياسي، بل باعتبارها تهديداً إرهابياً.

هذا المشروع يتجاوز الرمزية، ليعبّر عن تطابق بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في واشنطن، بعدما اعترفت إدارة ترامب بمغربية الصحراء سنة 2020. وها هي المؤسسة التشريعية تمضي اليوم في المسار نفسه، بوضع اليد على حقيقة التنظيم وفضح علاقاته بالتنظيمات الإرهابية العابرة للقارات.

الهجوم على السمارة: دليل ميداني على الإرهاب

الاعتداء الإرهابي الأخير الذي استهدف أطراف مدينة السمارة يعكس، في توقيته ومكانه، حجم العجز واليأس الذي تعيشه البوليساريو، أمام التقدّم الميداني والسياسي للمغرب. ميليشيا تستخدم القصف العشوائي، من خارج حدود التراب الوطني المغربي، ضد منطقة مراقبة أممياً، ما يؤكد أنها لا تلتزم بأي أعراف أو قوانين دولية، بل تستهدف عن عمد تقويض جهود الأمم المتحدة وبعثة المينورسو.

أن تستهدف البوليساريو مدينة السمارة، القلب الرمزي والروحي للصحراء المغربية، ليس عبثاً، بل هو رسالة واضحة: التنظيم قرر القفز إلى مربع الإرهاب المكشوف، بعد أن فقد شرعيته الإقليمية والدولية. ولكن الرسالة الأوضح كانت في فشل الهجوم وعدم وقوع أية خسائر، ما يكشف هشاشة التنظيم ميدانياً، في مقابل اليقظة الأمنية العالية للمملكة.

الجزائر في مرمى الإدانة الدولية: الراعي الرسمي للإرهاب الانفصالي

المعطى الجوهري الذي لم يعد قابلاً للتجاهل هو أن النظام الجزائري لم يعد مجرّد "داعم سياسي" للبوليساريو، بل هو الممول والمسلّح والراعي الرسمي لأنشطة تنظيم إرهابي. والدليل أن كل مقومات الدولة، من جيش واستخبارات وأجهزة دعاية، مُسخّرة للدفاع عن كيان وهمي فقد أي غطاء قانوني أو شرعي.

تصنيف البوليساريو كتنظيم إرهابي سيوجه ضربة مباشرة للجزائر، ليس فقط سياسياً، بل قانونياً، إذ سيجعل منها طرفاً داعماً للإرهاب في نظر المجتمع الدولي، تماماً كما يُعامل اليوم النظام الإيراني أو بعض الفصائل المسلحة في إفريقيا والشرق الأوسط.

الرباط تكسب المعركة خطوة بخطوة

الموقف المغربي في التعامل مع هذه التطورات يؤكد ما دأبت عليه المملكة منذ عقدين: تبنٍ لعقيدة أمنية قائمة على الصرامة ضد الإرهاب، والانفتاح الدبلوماسي، والحسم في ملف الصحراء. الحسم الميداني والسياسي الذي حققته الرباط، وخاصة بعد الاعترافات المتتالية بمغربية الصحراء من دول وازنة، ترك جبهة البوليساريو مكشوفة أمام العالم، بلا شرعية، ولا مشروع، ولا أرضية.

في المقابل، واصلت القوات المسلحة الملكية وأجهزة الأمن المغربي إحكام السيطرة على الأقاليم الجنوبية، وتأمينها، وتثبيت الاستقرار، فيما تتوسع مشاريع التنمية المهيكلة بالصحراء لتُكرّس واقعاً مغربياً لا رجعة فيه.

في النهاية، يمكن القول إن المجتمع الدولي، وبالخصوص واشنطن، أصبح مطالباً بأكثر من بيانات الإدانة أو "القلق". لحظة الحسم مع البوليساريو تقترب، وتصنيفها كتنظيم إرهابي سيكون الخطوة التي تضع الأمور في نصابها، وتضع الجزائر أمام مسؤوليتها كدولة راعية للإرهاب.

أما المغرب، فإنه لا يدافع فقط عن وحدته الترابية، بل يخوض معركة أمنية ضد تهديد إرهابي دولي، نيابةً عن إفريقيا والعالم. ولهذا، فإن الرباط اليوم ليست في موقع الدفاع، بل في موقع الشريك الاستراتيجي لمحاربة كل أشكال التطرف والانفصال والإرهاب، من الساحل إلى الشرق الأوسط.